Thursday, February 1, 2024 أخر تحديث:
   
 
اطبع أرسل لصديقي
استخدم هذا النموذج لارسال هذا المقال لصديقك
Friend Email
Enter your message
حجم الخط
2000 - يونية 2004 >
 
 
 
   
    شاركنا على تويتر  
 
 
 
 
  مشروعات حق الانتفاع BOOT في قطاع الكهرباء

مشروعات حق الانتفاع BOOT في قطاع الكهرباء

د. ممدوح حمزة

المهندس الاستشاري

خيراً فعلت وزارة الكهرباء عندما توقفت عن استراتيجية بناء محطات الكهرباء بنظام حق الانتفاع

(BOOT) بعدما تبين ما لهذا النظام من سلبيات تضر بالاقتصاد المصري والتنمية الذاتية حاضراً ومستقبلاً.. فبعدما كان مقرراً إنشاء حوالي 16 محطة بهذا النظام حتي عام 2017 بقدرة إجمالية تبلغ 9650 ميجاوات توقفت تماماً هذه الاستراتيجية  عند التعاقدات التي تمت في هذا الإطار مع شركة (إنترجن .جي . بي . ليمتد) لإنشاء محطة كهرباء سيدي كرير ومع هيئة كهرباء فرنسا (E.D.F ) لإنشاء محطتي كهرباء شرق بورسعيد وشمال غرب خليج السويس .

وتتمثل أهم السلبيات التي اعترت تعاقدات الـ (BOOT ) وظهرت بشكل واضح في تعاقدات هيئة كهرباء فرنسا فيما  تنص عليه التعاقدات من قيام هيئة كهرباء مصر بشراء ناتج الكهرباء من شركات حق الانتفاع بالدولار الأمريكي بما يعادل 108 مليون دولار لكل محطة سنويا لمدة 20 سنة بإجمالي يزيد عن 2مليار دولار للمحطة الواحدة التي لا تزيد تكلفة إنشائها عن330 مليون دولار بما يعادل 15% من مجمل التزام مصر تجاه شركة حق الانتفاع  مما يمثل عبئاً كبيراً على الدولة في توفير هذه العملة التي نحتاجها لإنفاقها في الاستيراد وتوفير السلع والخدمات الاستراتيجية خاصة في ظل الزيادة المضطردة في سعر العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري.

إن تكلفة إنشاء هذه المحطات لم تكن أموال أجنبية جاءت من الخارج لتستثمر في مصر بل قامت البنوك المحلية بإقراض جهات حق الانتفاع الأجنبية لإنشاء هذه المحطات وتم هذا الإقراض بالعملة الصعبة بما يمثل عبئاً كبيراً على الائتمان والاستثمار الوطني ورصيد مصر من العملات الصعبة، في ذات الوقت الذي ضمنت فيه الاتفاقيات قيام شركات حق الانتفاع بشراء الخدمات ودفع قيمة المكون المحلي (إن وجد)  وكذلك دفع  أجور العاملين  المصريين  بالعملة المحلية وليس بالعملة الصعبة، وكذلك شراء الوقود اللازم لتشغيل المحطات بالسعر المحلي والعملة المحلية مما يقلل من القيم الاستثمارية لهذه المشروعات وذلك لأن السعر المحلى للوقود سعر مدعم لخدمة الكيانات المصرية، ومن الواجب أن تكون بنفس عملة التعاقد مما يجعلها مستفيدة مرة أخرى من أى زيادة فى سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصرى .

لقد أغفلت هذه التعاقدات كذلك تحديد أي نسبة لمشاركة المكون  المحلى أو مشاركة الكوادر الوطنية في التصميم والتنفيذ والإشراف والتشغيل، وهى أمور لازمة لإيجاد كوادر مصرية قادرة على القيادة والابتكار وضمان تحديث التكنولوجيا فى المستقبل وضمانا لاستمرار وتواصل التنمية التكنولوجية ذاتياً، بل وتصديرها إلي بلاد الشرق الأوسط وإفريقيا بما يحقق لمصر موقع الريادة في المنطقة .

وإذا كان التعاقد مع شركات أجنبية خاصة يتسق نظرياً مع مبادئ الاستثمار والخصخصة بالرغم من سلبياته التطبيقية فإن التعاقد مع هيئة كهرباء فرنسا (وهي جهة حكومية أجنبية) يخالف قوانين الاستثمار وقوانين وزارة الكهرباء ذاتها  التي تنص علي أن يباشر هذه المشروعات المستثمرين والقطاع الخاص ..كما يمثل هذا التعاقد نوعا من الإغراق الممنوع دوليا والذي تقف وراءه هيئة أجنبية رسمية (هيئة كهرباء فرنسا) تقدمت لتنفيذ المحطتين بعطاءات أقل من الشركات الأخرى التى دخلت معها في المناقصة  (9 شركات)  بحوالي 20% عن سعر السوق مما يؤكد خطورة هذه التعاقدات علي اقتصادياتنا وعلي مشروعاتنا القومية ومواردنا البشرية والتحديث التكنولوجي الذاتي المأمول فى مصر، كما أن ما يمكن أن يطرأ من خلافات سوف يكون أحد طرفيه جهة حكومية أجنبية .

لقد سلبت هذه التعاقدات الدور القومي الذي كانت تضطلع يه هيئة كهرباء مصر والتي كانت تتولي إدارة وتشغيل وبناء حوالي 96% من مشروعات الطاقة في مصر لتعطي هذا الحق لهيئة كهرباء فرنسا الممثلة لحكومة فرنسا لتتولى بناء وتملك وتشغيل المحطتين لمدة 20 سنة قادمة بما لا يتفق مع مبادئ وقوانين الخصخصة والاستثمار في مصر وبما لا يتفق مع قوانين هيئة كهرباء مصر ذاتها والتي تم خصخصتها وتحويلها إلي شركة قابضة تخلع يدها من هذا الدور القومي لتتولي تنظيم التعاقد فقط مع القطاعات الخاصة والاستثمارية الأجنبية والمحلية لبناء وإدارة هذه المشروعات .. فهل قمنا بخصخصة هيئة كهرباء مصر هذا الكيان الحكومي العريق لنسلب منه حقوقه وواجباته القومية لنمنحها لهيئة كهرباء فرنسا وهي جهة حكومية لا تنطبق عليها قوانين القطاع الخاص ؟؟! .

لقد خلت هذه التعاقدات تماماً من أي منفعة لمصر في الحاضر أو المستقبل واتسمت بالعديد من الأضرار المادية والفنية والإدارية فالذي وضع شروطها ودراسة جدواها مكتب استشاري أجنبي انفرد بالعمل دون مشاركة أي مكتب استشاري مصري متخصص مخالفاً بذلك لوائح نقابة المهندسين المصرية، وكرس كل فوائد التعاقدات  لصالح هيئة كهرباء فرنسا التي تحصل علي ناتج بيع كهرباء هذه المحطات لمصر بالعملة الصعبة وتدفع مرتبات العمالة وأسعار وقود تشغيل هذه المحطات بالجنيه المصري ..كما قامت هيئة كهرباء فرنسا باستيراد مكونات ومعدات إنشاء وتشغيل هذه المحطات من الخارج بالرغم من أن أكثر من 65% من هذه المكونات يتم تصنيعه في مصر .

وقد مكنت هذه التعاقدات هيئة كهرباء فرنسا وهي جهة أجنبية حكومية من السيطرة علي مشروعات إستراتيجية في مصر لا ينبغي لدولة أجنبية أو إحدى الهيئات الممثلة لها أن تتملكها أو تديرها بما يخالف متطلبات حماية الأمن القومي، بالإضافة لما اتسمت به هذه التعاقدات من غبن وجور على حقوق مصر لكونها علاقة  تجارية غير سوية قانونيا واقتصادياً وفنياً تلزم مصر بدفع أكثر من 4 مليار دولار لهيئة كهرباء فرنسا خلال مدة حق الانتفاع في ذات الوقت الذي لا تتجاوز فيه تكلفة إنشاء المحطتين أكثر من 650  مليون دولار بما لا يتجاوز 15%من دخل المحطتين الذي تحصل عليه هيئة كهرباء فرنسا من مصر بالدولار الأمريكي خلال مدة حق الانتفاع.

ولم تكن تكلفة إنشاء المحطات استثمارات أجنبية جلبتها هيئة كهرباء فرنسا من الخارج ولكنها أموال اقترضتها من البنوك المصرية والأجنبية بعدما قدمت إلي هذه البنوك ضمانات الحكومة المصرية بالتزامها بشراء الكهرباء من المحطتين بقيمة تتجاوز 220 مليون دولار سنوياً بما يعني أن البنك المركزي المصري هو الضامن الشرعي لسداد هيئة كهرباء فرنسا لهذه القروض ..كما تخلو هذه التعاقدات من أي شروط تلزم هيئة كهرباء فرنسا مستقبلا بتطوير تكنولوجيا هذه المحطات بما يتماشى مع التطور التقني العالمي في هذا المجال وبما يعني أن مصر سوف تتسلم هذه المحطات عند نهاية مدة حق الانتفاع (شبه خردة ) بفارق مستويات تقنية تتجاوز 20 عاماً .

إن المحاذير الناجمة عن المضي قدماً في هذه تعاقدات هيئة كهرباء فرنسا تمس بشكل مباشر سلامة الاقتصاد الوطني والأمن القومي وتحول دون اكتمال السيادة الوطنية المصرية علي مشروعات استراتيجية تمثل عصب الاقتصاد وتغذي ديناميكية التنمية الصناعية والزراعية والاجتماعية وتغذي كذلك حركة المجتمع اليومية، فالطاقة بشكل عام هي ترياق الحياة الدائم  لميكانيزم المجتمعات ولامناص عن وضع مشروعاتها القومية تحت الإشراف والتشغيل الوطني المباشر بالاعتماد علي الخبراء والمهندسين والعمال المصريين لدعم الخبرة الوطنية اللازم تنميتها داخلياً حتى يمكن تصديرها والتي لم يكن لها أن تنجح في بناء مشروعات الطاقة في الدول العربية وآخرها مشروعات إعادة إعمار محطات الكهرباء التي دمرت في لبنان إلا إذا كانت هذه الخبرات قد نجحت بتفوق في إنشاء وتشغيل مشروعات الكهرباء بمصر .

والمطالبة بنهو هذه التعاقدات عن طريق التفاوض والاتفاق ليست بدعة فهناك العديد من قضايا نهو العلاقات التجارية والمالية التي تحدث يومياً في العالم ..وقد رأينا الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع عن بنود ومبادئ اتفاقية تحرير التجارة العالمية وهي الأب الروحي لها لتقوم بزيادة قيمة الجمارك المقررة علي ورادات حديد التسليح القادمة إليها من أوربا .

إن الحلول المرحلية أو الجزئية لهذه القضية لن تزيد الطين إلا بللاً، وسوف تضاعف من سلبيات الوضع الحالي ، ولا مناص أمام متخذي القرار سوي نهو هذه التعاقدات الأشد جوراً وإجحافاً لحق مصر من عقد امتياز قناة السويس الذي منحه الخديوي سعيد للفرنسي ديليسبس عام 1854 م والذي كان يحوي ضمن بنوده ما ينص علي حق مصر في إلغاء امتياز القناة نظير قيامها بدفع تعويضات مالية مناسبة للشركات الأجنبية .

وإذا كنت قد تناولت من قبل خطورة هذه التعاقدات في 3 مقالات نشرت تباعاً بجريدة الأهرام العام الماضي بتاريخ 28 يناير، وتاريخ 24 مارس، وتاريخ 18 يونيو، فإنني أطالب اليوم بضرورة الإسراع بوضع خطة متكاملة لنهو هذه التعاقدات التي تلزم مصر بدفع أكثر من 4 مليار دولار أمريكي خلال مدة حق الانتفاع مقابل شراء 900 ميجا / وات كهرباء ناتج هذه المحطات سنوياً وهي كمية لاتتجاوز 0.04 من إنتاجنا القومي من الكهرباء سنوياً .

نشرت بمجلة الكهرباء العربية في عدد 72 يونيو 2003

 
 
 
 
           
  الرئيسية | مشروع التغير | مراحل المواجهة | مشروعات تنموية | قالوا عن حمزة | صوت وصورة | المجلس الوطني المصري | المكتب الهندسي