Thursday, February 1, 2024 أخر تحديث:
   
 
اطبع أرسل لصديقي
استخدم هذا النموذج لارسال هذا المقال لصديقك
Friend Email
Enter your message
حجم الخط
2000 - يونية 2004 >
 
 
 
   
    شاركنا على تويتر  
 
 
 
 
  سلوكيات شعب.. أم إخفاق حكومات ؟

منذ أكثر من شهرين كتبت مقالة بعنوان “قدراتنا الذاتية..خطوات متسارعة إلي الخلف ” تعرضت فيها لتراجع قدراتنا الذاتية علي ضوء تقارير التنمية في العالم لسنة 2002/ 2003 والتي أوضحت خروج مصر من المنافسة الإقليمية ودخول دول عربية بدلاً منها.. وذكرت في المقالة أن أكبر البنوك وشركات المقاولات ومكاتب الهندسة الاستشارية والمحاسبة ومراكز التدريب وأعلي معدلات التدفق السياحي والسياحة العلاجية والنتائج الرياضية في المنطقة لم تعد مصرية بل أصبحت لدول عربية تتنافس فيما بينها علي الصدارة ..وذكرت أيضاً أن تراجعنا في الصناعة والزراعة والبحث العلمي والتعليم والاقتصاد والتجارة والإعلام والمعلومات والمشروعات القومية وبرامج التدريب كان نتيجة منطقية لانعدام المنافسة العادلة علي المستوي الداخلي فطفي علي السطح طائفة العجزة المنافقة التي أوصلت تراجعنا إلي درجة التدني لنصبح مجتمعاً فشل في الاعتماد علي الكفاءات وتمكينها لتفعيل التقدم اللائق بأمتنا .. المقالة نشرت بعدة صحف مصرية منها جريدة الوفد بتاريخ 6 يونيو الماضي.

وقد أثارت أنباء تراجعنا وخروجنا من المنافسة الإقليمية تعليقات البعض .. فالدكتور فوزي حماد رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقاً أكد “أنه لو كان هناك مخطط لتحطيم مصر لما وصل إلي تحقيق نتيجة أفضل مما نحن عليه الآن” ..والدكتورة سهير الشبراوي خبيرة الصيدلة أكدت أن المجتمع المصري أصبح كالماء الراكد العفن الذي نمت فيه الطحالب والفطريات وأصبح في مسيس الحاجة إلي مياه جارية ومتجددة .

إلا أن سؤالاً محدداً كان الأكثر طرحا ًوهو:هل التراجع سببه سياسات الحكومة أم سلوكيات الشعب ؟..وبالرغم من أهمية وصعوبة هذا السؤال الذي  سيجيب عنه المفكرون والأكاديميون مستقبلاً.. فإن ما أكتبه هنا هو محاولة مخلصة أجتهد فيها للإجابة راصداً واقعنا المعاش بتفاعلاته وحراكه متلمساً مسؤولية تراجعه وداعياً إلي مشاركة جهات الاختصاص أن تسعي جاهدة لوقف نزيف التراجع القومي في قدراتنا الذاتية الذي أدي إلي الخنوع والتسليم بأدنى المستويات وفقدان الثقة في كل ماهو مصري بل أصبحنا علي حافة الإفلاس .

إن الحكومة والشعب يشكلان معاً واقع التراجع المعاش بغض النظر عن مسئولية المتسبب فيه، لأن الحكومة والشعب يمثلان جسد واحد مكون من عقل وأعضاء..”فالحكومة” في مصر وفي ظل تكوينها الحالي اغتصبت دور العقل، و”الشعب” لم يعد يمثل إلا بقية الأعضاء..ومعيار نجاح (العقل) الحكومة أو فشلها يتوقف علي قدرتها علي تحويل بقية “الجسم” إلي شعب عالي القدرة.. فالمشكلة أساساً ليست في كثرة تعداد الشعب ولكنها في القدرة الذاتية للفرد والتي تشكل في مجموعها القدرة الذاتية للمجتمع.. وإذا كانت الحكومة في الأنظمة الديمقراطية هي “ابنة” الشعب التي تجيء باختياره فإنها في دول العالم الثالث بسبب طريقة تكوينها تلعب دور أم” الشعب، وهي التي نصبت نفسها كمسئولة عن تربيته وسلوكياته وشخصيته، وعليه فهي قدوته في فعل الصواب أو الخطأ، وبالتالي تأتي تصرفات هذا الإبن رد فعل منطقي لما غرسته فيه هذه الأم من سابق تربية وقيم، وعندما تكون الأم قادرة علي وظيفتها فإن الإبن سيكون قادر علي العمل والنجاح .

ووقائع التاريخ تؤكد هذه المقولات.. ففي العصر الحديث قويت الحكومة في عهد محمد علي  فتقدمت الصناعة والزراعة واستحدثت محاصيل جديدة وأرسلت البعثات العلمية من القادرين إلي أوربا وانطلقت الجيوش المصرية لتهزم الإمبراطورية العثمانية وتصل إلي أوربا وأسيا وأفريقيا..وقويت الحكومة في بداية عصر إسماعيل وحدث تقدم من نوع آخر بجانب التقدم الصناعي والزراعي حيث ازدهرت الترجمة والتمصير وانتشر المسرح وذادت حركة الكشوف الجغرافية والحملات العسكرية .

ولكن ومنذ عام 1967 بدأت الأم (الحكومة) في الاعتلال وفقدان اللياقة والقدرة علي مواجهة مسؤولياتها وشابت سياساتها العديد من الأخطاء وأصبح الإبن (الشعب) يقلدها ويخطئ مثلها، بل ويتحايل عليها بارتكاب أخطاء يتفادي بها ضرر أخطائها التي تقع عليه، فتحولت العلاقة بين الطرفين (الحكومة والشعب) بعدما انقضت علاقة الأمومة والبنوة بينهما خلال العقود الأخيرة إلي ما يشبه  العلاقة بين توم وجيري .

فالحكومة تدفع مرتبات غير عملية فلا يعمل الشعب، أو يعمل 27 دقيقة فقط علي قدر مرتبه..والحكومة تفرض نظام ضرائب غير عادل فيلجأ الشعب إلي التهرب الضريبي..والحكومة تفرض نظام جمركي معقد فيلجأ الشعب إلي التحايل..والحكومة تقدم خدمات تعليمية ضعيفة فيدفع الشعب مليارات الجنيهات في الدروس الخصوصية..والحكومة تؤكد علي حق التعليم وتعجز عن توفير المدارس اللازمة فيلتحق التلاميذ بالمدرسة في سن السابعة أوالثامنة، أو يلجأؤن إلي المدارس الخاصة التي تقبل بالسن الأصغر وبمصروفات باهظة مقارنة بدخول الشعب .

الحكومة تقدم خدمات إدارية معٌٌٌٌٌٌٌٌقدة فيلجأ الشعب إلي تقديم الرشوة لإنهاء إجراءاتها التي يزيد تعقيدها صغار الموظفين أكثر حتي يحصلوا علي مزيد من الرشاوي أسوة ببعض رؤسائهم وأحياناً بعض وزرائهم..الحكومة تصدر قرارات وقوانين يلغيها القضاء فيفقد الشعب ثقته في الحكومة وقراراتها ..والقضاء يصدر أحكام تتقاعس الحكومة عن تنفيذها فيفقد الشعب ثقته في تنفيذ العدالة ..الحكومة  ميزانية الدولة وأكد خبراء المالية والمحاسبة علي تزويرها وعدم واقعيتها فلجأ الشعب إلي تزوير ميزانيات الشركات .

الحكومة تقدم إعلام ضعيف فيلجأ الشعب إلي القنوات الفضائية العربية والأجنبية، وتقدم صحافة غير موضوعية فيلجأ الشعب إلي صحف الإثارة والفضائح.. الحكومة أهملت البحث العلمي ورعاية العلماء فأهملوا الأبحاث وانشغلوا بالدرجات المالية والإدارية والعمل لدي الوحدات ذات الطابع الخاص جرياً وراء الرزق المناسب الذي لم توفره الحكومة ..مما أدي إلي حدوث التعارض بين عملهم في خدمة البحث العلمي وبين سعيهم لتوفير متطلبات الحياة الكريمة ففقدنا ميزة بحثية من ناحية وعف الطلاب عن القسم العلمي وكليات العلوم والزراعة من ناحية اخري فكانت الخسارة مذدوجة.. الحكومة أصدرت قوانين الطوارئ والبلطجة فزادت جرائم الأسرة والاغتصاب والإدمان وساد العنف أكثر وأكثر.. الحكومة تدخلت في بعض نتائج الانتخابات لتحقيق الأغلبية لحزبها فلجأ الشعب إلي مقاطعة الانتخابات بعدما فقد الثقة في نتائجها عموماً ..الحكومة منعت الجامعات والنقابات من ممارسة دورها السياسي فسادت الأمية والسلبية السياسية لأن المواطن لن يتعلم السياسة بين يوم وليلة ولن يكون سياسياً فجأة عند تخرجه وقد منع من ممارسة السياسة كتلميذ وكطالب منذ البداية .

الحكومة أنفقت الملايين في بناء الملاعب والمجمعات الرياضية في الوقت الذي أهملت فيه التربية الرياضية واللياقة البدنية وبرامج صناعة البطل الرياضي وتطوير النواحي الفنية وزيادة معدلات الآداء الرياضي للمصريين فتراجعت قدراتنا الرياضية عالمياً وإقليميا وفشلنا في الحصول علي جوائز أو ميداليات أولمبية لأكثر من 40 سنة .

الحكومة بالرغم من بنائها للمستشفيات وشرائها للمعدات والأجهزة الطبية إلا أنها أهملت تدريب هيئات التمريض علي هذه الأجهزة والمعدات، وأهملت الصحة العامة وبرامج وإجراءات الوقاية التي تمنع حدوث المرض من أساسه، وكلك لم تراقب الأغذية والمشروبات والمبيدات التي تسبب العديد من الأمراض.. الحكومة لم تتدخل بحزم لمكافحة التدخين الذي ارتفعت معدلات استهلاكه لتصل لحوالي 1.5 مليار دولار سنوياً توازي دخل قناة السويس وتقترب من ثلث ميزانية الصحة العامة في موازنة الدولة، ولتصبح مصر من أكبر دول العالم في تدخين النشيء ومن أكثر أطفال العالم إصابة بالسرطان  .

الحكومة فشلت في تحقيق وعودها للشباب بتوفير العمل والمسكن والحياة الكريمة فأفاقوا  علي مرارة الواقع ولجئوا إلي المخدرات ليصبح الاستهلاك المحلي منها حوالي 17 مليار جنيه خسارة مادية ومليون ضحية خسارة بشرية سنوياً..الحكومة وفي ظل سيادة القيم المادية والاهتمام بالكم وإهمال الكيف تراجع التجويد والابداع في العديد من القطاعات وأهملت القيم والمثل العليا في العديد من المهن التي كان يقدسها المجتمع فقرأنا عن انحراف وجرائم الأطباء وهيئات التمريض والشرطة والقضاء والصحفيين والمعلمين.

الحكومة فرضت إجراءات رقابية كثيرة فازداد الغش والفساد والتربح الغير شرعي ونهب الأموال العامة، ولم تجدي كثرة الجهات الرقابية (18جهة ) التي تضاربت اختصاصاتها وتداخلت وأصبح عيارها لا يصيب لوجود دروع وقاية وحماية للفساد والمفسدين .. والحكومة تجاهلت الكثير من تقارير هذه الجهات الرقابية عن مراكز الفساد الذي أصبح منظماً وله أنياب في العديد من المواقع، فقبعت هذه التقارير في المكاتب ونامت في أمان تام دون أدني خوف من مسائلة بل تسببت بعض هذه التقارير في الإضرار بمعديها .. الحكومة أعلنت الحرب علي الفساد في قطاعات وأماكن بعينها في الوقت الذي انتشر فيه هذا الفساد في أماكن أخري.. فأدرك الشعب أن الحرب علي الفساد من قبيل تصفية الحسابات وتعارض مصالح الكبار وتقديم كبش فداء فلم يصدق الحكومة في دعاوى حربها علي الفساد والمفسدين .

الحكومة أهملت برامج المتابعة والصيانة فظهرت حوادث القطارات والطائرات والسفن والكباري والطرق وانهارت المباني علي سكانها.. الحكومة أهملت برامج تدريب وتطوير الموارد البشرية فظهرت مشكلات الأمية الوظيفية والرسوب الوظيفي لأكثر من 800 ألف موظف..الحكومة استأثرت بالمشروعات الإنشائية في معظم المواقع فأصبحت هي المالك والمهندس الاستشاري والمقاول المنفذ  فخرجت المشروعات القومية خاصة في قطاع  المرافق العامة والبنية الأساسية نماذج واحدة متكررة بكل عيوبها ليقتل في حوادث الطرق والمرور حوالي 6آلاف مواطن سنوياً وليشرب الشعب من مياه ملوثة بمياه الصرف الصحي في الوقت الذي لا تعمل فيه محطات مياه وصرف صحي منذ أنشئت قبل 20سنة وحتي الأن.

الحكومة اعتمدت علي قيادات عتيقة استمرت في أماكنها لسنوات طويلة وهي تشارك مشاركة فعلية في التراجع فيأس الشباب من التغيير والمشاركة في قيادة التنمية في بلده وأصابته اللامبالاة والسلبية والاكتئاب..الحكومة أهملت الكفاءات الوطنية ولم توفر لها مناخ المنافسة العادل للعمل والإبداع فانزوت هذه الكفاءات أو لجأت إلي الخارج وأصبح هناك أكثر من 8 آلاف عالم وخبير مصري في التخصصات الحيوية يعملون في أكبر الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات العالمية خاصة في أمريكا وغرب ووسط أوربا بخلاف الخبرات التقليدية المهاجرة التي يبلغ عددها حوالي 85 ألف خبير مصري وقبل آلاف المصريين جنسيات أجنبية، كما طالب حوالي 800 مصري أن تسقط عنهم الجنسية المصرية نظير الاحتفاظ بجنسية أجنبية .الحكومة صعبت فرص الاستثمار المصريين فهربوا إلي الخارج، كما فشلت في جذب أكثر من 80 مليار دولار  أموال مصرية تستثمر بالخارج .

الحكومة تسند المشروعات القومية لشركات ومكاتب أجنبية “غير مؤهلة أحيانا”ً بحجة شروط القروض والمعونات وتحرم شركات ومكاتب وطنية متميزة من المشاركة في المشروعات الغير مشروطة بحجة عدم الكفاءة .. والحكومة أسندت لبعض المصريين مشروعات ولكن جاءت سيئة لأنها منحت لأهل الثقة والحظوة والقرابة ولم تمنح لأهل الخبرة والتميز ولذلك كانت أردأ ما في مصر من مشروعات فساد الاعتقاد بعدم قدرة المصريين (عموما)ً علي تحقيق النجاح والتميز، حتي أن أحد المفكرين صرح لي بأنه لا ينبغي إهدار أموال مصر في تجريب أو تدريب المصريين في المشروعات القومية واعتد بسوء تنفيذ الكباري الحديثة التي أقيمت علي النيل مؤخراً مثل كباري المنيب والوراق.. وفي ظل هذا الشعور بعدم الثقة في الخبرات المصرية بسبب اعتماد الحكومة علي أهل الحظوة والثقة الذين أخرجوا مشروعات ضعيفة أساءت للخبرات المصرية عموماً شعر المتميزون باليأس والاحباط وهرب بعضهم وأحجم البعض الآخر عن العمل في مشروعات الدولة .

الحكومة خلعت يد هيئة كهرباء مصر من دورها القومي في بناء محطات الكهرباء بحجة الخصخصة وأسندت هذا الدور لهيئة كهرباء فرنسا التي تمثل حكومة أجنبية فأين الخصخصة؟ .. وماهي الجدوي الاقتصادية أو الفنية في الاعتماد جهة حكومية أجنبية كانت أكثر تكلفة علي مصر في إنشاء هذه المحطات من أي شركة خاصة محلية أو عالمية ؟!. الحكومة منحت التراخيص لأكثر من 2مليون أجنبي للعمل في مصر بما يوازي 8.5 % من حجم سوق العمل المصري بخلاف التأشيرات السياحية والزائرين والمقيمين بطرق غير قانونية في ذات الوقت الذي يعاني فيه الشعب من البطالة..الحكومة تعتمد علي الاستيراد في معظم مشروعاتها وتدعو الشعب إلي شراء المنتج المحلي .

الحكومة تركت التنافسية في ترسية المشروعات القومية ولجأت إلي الإسناد المباشر لشركات بعينها فانتشر الفساد والرشوة وساءت المشروعات، وأدرك الشعب أن معيار الحصول علي العمل ليس الكفاءة أو التميز ولكن التملق والمحسوبية والوساطة وتبادل المنافع .. الحكومة تمنح الأعمال لشركات ومكاتب أهل الحظوة والثقة وأقرباء الوزراء فتجيء المشروعات رديئة بسبب قلة خبرة هذه الشركات التي نمت في ظل الفساد المالي والإداري .

الحكومة وفي غياب رقابتها علي المال العام تواطأ بعض موظفي البنوك مع مكاتب تقييم المشروعات ومع بعض المستثمرين وأعدوا دراسات جدوي غير واقعية للحصول علي قروض ضخمة لا تمثل الواقع وهربوا بها للخارج، وبدلاً من أن تقوم الحكومة بوضع ضوابط لدراسات الجدوى وعمليات التقييم وإجراءات الحصول علي القروض نسفت الاستثمار الوطني من أساسه بأن قررت أن تكون قروض المشروعات ضمانات مالية أو عينية فتوقف الاستثمار .. الحكومة أقرضت 85% من حجم أموال القروض لـ5% من المقترضين بدراسات وهمية فتعثرت مشروعاتهم وهربوا بمعظم الأموال إلي الخارج لتجد الدولة صعوبة بالغة في استردادها ولتنقلب علي قروض مشروعات الخريجين والحرفيين وتعقد إجراءاتها وتصيبها بالشلل والتعثر في كثير من الأحيان .

الحكومة أغرت صغار المستثمرين للاستثمار في الساحل الشمالي لإقامة منتجعات سياحية لا تستغل إلا شهر واحد في السنة فتبعها المشترون مثلما يتبع القطيع الراعي فضاعت عليهم وعلي الدولة أكثر من 130مليار جنيه من أموال الاستثمار وفقد صغار المستثمرين أموالهم ومدخراتهم وفقد قطاع الإسكان الأولي بالرعاية ملايين الأطنان من مواد البناء وفقد قطاع الصناعة والزراعة الأولي بالاستثمار استثمارات ضخمة كان يمكن أن تنميه وتوفر له الآلاف من فرص العمل الدائمة وتعود بالفائدة علي المستثمرين، وليتنا استفدنا من خبرة أجدادنا وآبائنا الذين جعلوا من رأس البر درساً لمصيف جميل لا تلوثه غابات الأسمنت والخرسانة حيث استغلوا المكونات والخامات البيئية في بناء عشش وكبائن المصطافين متفقاً في ذات الوقت مع توجهات السياحة العالمية التي تعتمد علي السياحة البيئية والطبيعية متفقة مع توجهات السياحة العالمية التي تعتمد علي السياحة البيئية والطبيعية ولم تزل رأس البر أكبر مصايف مصر جذباً لسواد الشعب المصري.

الحكومة أهملت في المحافظة علي أموال المصريين عندما استغل بعض الأفراد والشركات تدين الشعب المصري من ناحية وعدم ثقته في البنوك من ناحية أخري وقاموا بإنشاء شركات توظيف الأموال، فبدلاً من أن تتدخل الحكومة لإنقاذ أموال المودعين وتضع ضوابط لتعديل مسار هذه الشركات تدخلت لضرب وتصفيتها مباشرة فضاعت أموال المودعين وهربت إلي الخارج ليتحولوا إلي فقراء لسنوات طويلة يستجدون أموالهم لسنوات طويلة .

الحكومة باعت رمال الصحراء للشعب بأسعار باهظة المفروض بمرافق وخدمات وفعلياً بدون مرافق أو خدمات مع العلم أن تكلفة متر المرافق في هذه الأراضي لا يتعدي 80 جنيه، وكان ينبغي أن تتحمله الدولة كمساهمة منها في إسكان المواطنين متوسطي الدخل لأن الإسكان عندما يكون مأوي للأسرة يصبح  أداة إنتاج، فهل الاقتصاد يعني امتصاص أموال الشعب مستغلين حاجته الماسة للإسكان؟ .. والحكومة  قامت ببناء إسكان غير مدروس في المجتمعات العمرانية الجديدة فعف عنه الشعب إما لعدم ملاءمته أو لعدم وجود مرافق وخدمات أو فرص عمل فأصبح لدينا مدن مهجورة في حين أن الشعب يسكن المقابر.

الحكومة لم تتدخل لمنع انتشار العشوائيات والتي تفاقم تأثيرها علي سلوكيات سكانها فظهرت جرائم شاذة أخطرها زنا المحارم .. والحكومة بدلاً من أن تحتذي بسياسات انتهجتها شركات المعادي ومصر الجديدة  منذ 50 سنة عندما قامت بتقسيم الأراضي وبيعها مباشرة إلي  الشعب بسعر التكلفة وهامش ربح بسيط قامت ( الحكومة ) ببيع الأراضي لمجموعة من السماسرة بأسعار زهيدة  وأسلمت رقاب الشعب إلي براثنهم ليتربحوا من تقسيم وبيع الأرض بـعشرات أضعاف ثمنها وليتربحوا من البناء عليها بمقدار الضعفين أو ثلاث أضعاف.. فلماذا تبيع الحكومة الصحراء للمواطنين بأسعار باهظة؟ولماذا تؤثر الحكومة طبقة من السماسرة للمتاجرة في أرض الدولة ونهب أموال الشعب ؟ وما تأثير كل ذلك علي الاقتصاد القومي.

وفي ظل هذه السياسات الخاطئة كان لابد أن يـتأثر الشعب ويظهر ذلك التأثير في العديد من سلوكياته التي جاء معظمها رد فعل مباشر وغير مباشر لسياسة الحكومة .. فمعظم الشعب المصري اليوم  أصبح أقرب ما يكون إلي الانفلات والتسيب والإهمال والتكاسل والشحناء والعنف، وأصبحت شرائح كثيرة منه تقضي أكثر من 45% من يومها علي المقاهي وأمام أجهزة التلفزيون ..فجزء كبير من الشعب استمرأ الدعة والراحة ونبذ السعي الجاد نحو العمل وكفالة الأسرة وقنع بحظه من الرزق المتقطع والقليل من الدخل ..الشعب المصري تحول من مجتمع الإنتاج الذاتي إلي مجتمع استهلاكي وأحياناً ترفيهي، فليس بيننا اليوم علي مستوي القرية أو المدينة تلك الأسرة المنتجة التي كانت تتقوت من عمل يدها ومن عنايتها بالحرف والصناعات المنزلية .

جزء كبير من الشعب المصري طالته يد التغير القيمي والأخلاقي  فظهرت فيه الجرائم الشاذة وعدم احترام الآداب والقواعد العامة في الشارع والعمل والمرور وانتهكت فيه حرمات العلاقات الأسرية الحميمة وصفات الأمانة والشرف في المصاهرات والجوار وبقية المعاملات الاجتماعية..بعض الشعب المصري فقد جزء كبير من انتمائه لوطنه، فلم يعد يرعي ممتلكاته ومرافقه العامة، بل أصبح يشارك في إتلافها أو سرقتها في بعض الأحيان..بعض الشعب فقد جزءاً كبيراً من قيم الخير والواجب ومراعاة الذوق العام فأصبحنا نسمع في الميادين والشوارع العامة أقذع أنواع السباب والشتائم وتقع بين أبنائه المشاجرات التي تتطور كثيراً إلي جرائم قتل لأتفه الأسباب .

غالبية الشعب المصري أصبحت تجنح إلي التواكل والتكاسل وعدم الاكتراث بقيمة العمل والإنتاج ويسعي للحصول علي حقوقه وأكثر منها في ذات الوقت الذي يتملص فيه من كل الواجبات والالتزامات الملقاة علي عاتقه.. الشعب فقد قدراً كبيراً من النظام والانضبتاط فانتهكت قواعد المرور والسير وخنقت المحلات والكافيتريات والمقاهي والسيارات الأرصفة وحرم الشوارع..الشعب المصري فقد حماس تجويد الحرف والمنتجات واحترام أذواق الجماهير والسعي لإرضاء العملاء .

الشعب المصري فقد روح الأسرة والعائلة ومبادئهما وخرج عن كل أعراف تاريخه ودينه وتراثه ..فقتل الأب أو الأم أولادهما وقتل الابن والديه..وظهرت جرائم الاغتصاب وقتل الزوج والتمثيل بجثته، واتخذت الجريمة شكلاً عنيفاً مقززاً ينبئ عن اعتلال نفسي أصاب بعض شرائح المجتمع..بعض المصري “بعذر وبدون عذر” ضن علي بلده بجهده وعرقه وصبره وأعطي أفضل ما عنده من فكر وابتكار لفرص العمل التي واتته بالخارج .. هذه هي ملامح العلاقة بين الأم سلوكيات الشعب وسياسات الحكومة بكل انعكاساتها وبكل ما فيها من فقدان الثقة وعدم القدرة علي التأثير والتوجيه والقيادة والتوظيف الأمثل والانتقاء المناسب للكفاءات والمبالغة في الاعتماد علي الخارج وإهمال الاعتماد علي الداخل المتميز  .

ولو ينصف العقلاء سيدركون أن سياسات الحكومة وإخفاقها علي مدي عقود طويلة هي محك التراجع الذي نعاني منه، لأن الحكومة هي التي تصدر القرارات والقوانين التي تحكم حركة الشعب وهي التي تعين القيادات التي تقود الشعب بدْاً من مشايخ الحارة والعمد مروراً بعمداء الكليات ورؤساء الجامعات والمراكز البحثية والمجلس القومية ونهاية بمجلسي الوزراء والمحافظين ..هؤلاء جميعاً وأقرانهم هم ممثلو الحكومة وهم من يصُرف شئون الشعب في شتي القطاعات .

إن تراجع قدراتنا الذاتية وخروجنا من المنافسة الإقليمية يستدعي بالأساس دراسة وفهم سيكولوجية الشعب المصري والعوامل المؤثرة فيه والحوافز التي تنهض قدراته والمؤثرات التي تحبطه والسعي لإعادة جسور الثقة بينه وبين حكومته .. وقبل كل ذلك ينبغي دراسة خلفياته الحضارية والتاريخية ورده من جديد إلي تقاليده وعاداته وقيمه الإيجابية وغيرته علي وطنه وأسرته وممتلكاته العامة المتمثل لأخلاق الشرف والواجب التي كانت تحكم سلوكياتنا.

ولنا أن نتأمل السؤالين التاليين لعلهما يلقيان الضوءً علي خطورة وعمق المشكلة المصرية.. فنحن شعب ظل يشرب من ماء النيل ويروي أرضه منه حتي جاء الرحالة الإنجليزي ليخبرنا عن منابعه..ونحن شعب جلس إلي جوار معابده وأهراماته يعاملها بسوء لأكثر من 2000 سنة ولم يدري كنه نقوش هذه الآثار والتي كان يسميها ” “طلاسم” حتي جاء عالم إنجليزي آخر ليكشف لنا أنها لغة آبائنا الهيروغليفية وهي تسجيل لتاريخنا .

إن مؤشرات الكارثة التي نواجهها كثيرة ولكن أكثرها وضوحاً ومباشرة هو خروج مصر من المنافسة الإقليمية وخسارة الجنيه المصري لأكثر من نصف قيمته خلال عامين وزيادة الدين  الداخلي إلي 100 مليار جنيه في العامين الماضيين مقابل 147 مليار جنيه في الواحد والثلاثين سنة الماضية  واستيراد 60% من غذاء المصريين من الخارج وبدء التراشق بالأسلحة النارية أمام المخابز للحصول علي العيش وتضاعف البطالة لأكثر من 4 ملايين عاطل والتزايد السكاني الكبير بالرغم من قلة الإنتاج والموارد .. كل هذه المؤشرات تحتاج إلي خطة إنقاذ سريعة وغير تقليدية .

ولكن عدم وجود مؤسسات ديمقراطية حقيقية قادرة علي مواجهة حاسمة للمشكلة من ناحية وعدم وجود وقت كافي أمام مصر لتكوين هذه المؤسسات الديموقراطية من ناحية أخري يستلزم تدخلاً حاسماً من القيادة السياسية مع الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد عقلية منفردة قادرة بذاتها علي حل الأزمة التي تمر بها مصر مهما أعطت هذه العقلية من أوامر وتوجيهات نظراً لضخامة المشكلة وتراكم تداعياتها والخطورة البالغة للتباطؤ في حلها .

ومهما كان الحل ونوعيته واستراتيجيته وطريقة تنفيذه فإنه في جميع الاحوال لابد من تشكيل مجموعة انقاذ مؤهلة تقوم القيادة السياسية مع بعض الحكماء بانتقاءها من الخبرات والكفاءات المصرية، وأري أن هذه المجموعة لن تتعد 200 شخصية يشكلون الوزراء والمحافظين ورؤساء الجامعات والمراكز البحثية ورؤساء البنوك والشركات القابضة ورؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير الصحف ورؤساء القنوات التلفزيونية والإذاعية (علي ألا يختار ضمن هذه الشخصيات المقربون الحاليون الذين أخذوا فرصتهم كاملة ولم يحققوا النتائج المرجوة ) ثم تعطي المسئولية كاملة لهذه المجموعة دون تدخل ويتم محاسبتهم علي النتائج النهائية .

علي ان يسمح في ذات الوقت لجميع المنظمات والاحزاب والهيئات والافراد في المجتمع بان يناقشوا وفي حرية تامة ابعاد المشكلة ويقدموا أرائهم للإصلاح علنا وفي وسائل الإعلان مهما كانت هذه الأراء صريحة أو شائكة  ،بحيث يشكل مجموع هذه الأراء في النهاية دائرة معارف أو بنك معلومات تستفيد منه المجموعة المختارة ويشعر معه جميع المواطنين بالمشاركة والتفاعل في حل الأزمة..واعتقد انه لو حسن اختيار هذه المجموعة وبدأت في العمل معاً وفي توقيت واحد واتيحت الفرصة لجميع الهيئات والمنظمات والأفراد المعنيين لعرض آرائهخم لحل المشكلة سوف يتغير وضع مصر خلال 3 سنوات وسوف تظهر النتائج الإيجابية لعمل هذه المجموعة خلال 18 شهراً .

وفي النهاية نؤكد علي أنه لن يفلح الاعتماد علي الخارج ..فلم تفلح المعونة أو القروض المشروطة..ولن تفلح الشراكة الأوربية..ولن يفلح الاعتماد علي الداخل الغير كفء، فلم يفلح الاعتماد علي أهل الحظوة، ولم يفلح الاعتماد علي أقرباء الوزراء .. وبنفس القوة لن يجدي سوي الاعتماد علي القدرة الذاتية للمصريين المتميزين الأكفاء، وهذا ما فعلته سنغافورة أصغر بلاد العالم المتقدم، وهذا ما فعلته الصين أكبر شعوب العالم، وهذا ما فعلته الهند أكبر الدول نمواً في العالم ولنا في كل هؤلاء القدوة والمثل في الاعتماد علي القدرة الذاتية .

  • · نشرت بجريدة الوفد بتاريخ 17/9/2003- الصفحة الأخيرة

· نشرت بعنوان “الشعـب المصري ضحيـة حكومتـه” بجريدة صوت الأمة 29/9/2003

  • نشرت يجريدة الأهرام وبكلي بعنوان (what went wrong?) 2003-(18-12-2003

 
 
 
 
           
  الرئيسية | مشروع التغير | مراحل المواجهة | مشروعات تنموية | قالوا عن حمزة | صوت وصورة | المجلس الوطني المصري | المكتب الهندسي