Thursday, February 1, 2024 أخر تحديث:
   
 
اطبع أرسل لصديقي
استخدم هذا النموذج لارسال هذا المقال لصديقك
Friend Email
Enter your message
حجم الخط
مقالات >
 
 
 
   
    شاركنا على تويتر  
 
 
 
 
  «الوطن» تنشر دراسة الدكتور ممدوح حمزة عن «تنمية منطقة السويس»

«الوطن» تنشر دراسة الدكتور ممدوح حمزة عن «تنمية منطقة السويس»

الأربعاء 28-10-2015 AM 11:12

كتب: الوطن

من النسخة الورقية

العدد : 1277

«الوطن» تنشر دراسة الدكتور ممدوح حمزة عن «تنمية منطقة السويس»

السفن العملاقة خلال عبورها بقناة السويس

«أنصح الرئيس بالاستماع إلى من يعلمون ما هى التجارة العالمية، ومن يعلمون أهمية موقع قناة السويس، ويعلمون ما هو النقل البحرى وخدماته، وما الصناعات التصديرية، ويعلمون تاريخ مصر واقتصادها على مر العصور، ولهم باع سابق فى المنطقة». «لخّص المتخصصون فى فترة حكم الإخوان الأنشطة الجاذبة للعمل بالمنطقة فى 3 مجالات، الخدمات البحرية وخدمات الموانئ ولم يفطنوا إلى أهمية الالتزام بالقواعد الدولية فى هذا المضمار، واللوجيستيات، ولو ينوهوا بأهمية مراكز التوزيع التى لنا فيها ميزة نوعية مثل القطن ومنتجاته، والصناعات التصديرية التى كان يجب ذكر أن تكون ضمن المنظومة العالمية للتصنيع»

مشروع تنمية قناة السويس عمره 30 سنة وتكلف أكثر من 71 مليار جنيه ومخططاته قابلة للتنفيذ منذ 10 سنوات

أُعَرِّف مشروع تنمية منطقة قناة السويس بأنه: «الخطط والاستراتيجيات التى تضعها الدولة المصرية لجذب شركات عالمية تعمل فى المجالات التى تُعظِّم العائد من التجارة المارة فى قناة السويس مما يعود بزيادة الدخل القومى وتوفير فرص عمل وجلب التقنيات الحديثة وزيادة العمران».. بالطبع يجب تقنين إلزام شراكة مصرية مع الشركات العالمية وإلا سيكون العائد للشركات الأجنبية فقط، والعائد من التنمية سيكون إضافة إلى ما نحصّله الآن من رسوم الملاحة، بل وسيكون عائد التنمية أضعاف عائد الملاحة. ويلاحظ أن هذه الأنشطة قد تكون سبباً لزيادة أعداد السفن المارة والمترددة على موانئ القناة لتلقى خدمات هذه الأنشطة، وبالتالى زيادة الرسوم والإيرادات. ونؤكد أن الخطط والاستراتيجيات يجب أن يضعها خبراء مصريون مشهود لهم بالغيرة الوطنية وليس مثلاً خبراء البنك الدولى، وهذا لا يمنع الاستعانة بالخبراء الأجانب الأكفاء ويكون ذلك عن طريق الخبراء المصريين، كلٌ فى مجال تخصصه، وليس عن طريق الإداريين أو السياسيين.

ولقد لخّص المتخصصون فى الدولة إبان حكم الإخوان (2012/2013) الأنشطة الجاذبة للعمل فى المنطقة فى الكراسة التى طُرحت لاحقاً للمكاتب الاستشارية المتنافسة للحصول على عقد تخطيط منطقة قناة السويس – لخصوها فى ثلاثة مجالات وهى:

■ الخدمات البحرية وخدمات الموانئ (ولم يفطنوا لأهمية الالتزام بالقواعد الدولية فى هذا المضمار).

■ اللوجيستيات (لم ينوهوا إلى أهمية مراكز التوزيع التى لنا فيها ميزة نوعية مثل القطن ومنتجاته).

■ الصناعات التصديرية (والتى كان يجب ذكر أن تكون ضمن المنظومة العالمية للتصنيع والموجّه للأسواق القريبة للقناة).

المجال الأول والثانى يماثلان ما تقوم به منطقة «جبل على» فى دبى، والمجال الثالث يماثل ما تقوم به سنغافورة وهونج كونج والصين وماليزيا.

شاهدت «السيسى» فى الصين يؤدى دور وزيرى الصناعة والتجارة والاستثمار ومدير مشروع تنمية محور القناة فى التسويق للمشروع.. رغم أن المستثمرين لا يأتون أبداً بالاجتماعات السياسية أو المؤتمرات.. و التجارة هى المحرك الأساسى لسياساتنا على مر العصور.. ومصر كانت محور الربط بين الكتلتين التجاريتين الأساسيتين.. ومعظم ثروتها تكونت من دورها كوسيط «تجارى – صناعى» اختفى بعد حفر القناة

إذاً نحن بصدد إنشاء سنغافورة وهونج كونج وجبل على مجتمعين فى سيمفونية واحدة، فى منطقة قناة السويس، فى المساحات التى تضمنها قرار السيد رئيس الجمهورية رقم ٣٣٠ لسنة ٢٠١٥ والمحددة 460 مليون متر مربع، وإن كنت أرى أن هذه المساحة كبيرة جداً، ولنا أن نتذكر أن تحول ألمانيا الشرقية إلى الصناعات الحديثة بعد انضمامها إلى ألمانيا الغربية احتاج إلى عشر سنوات، وبلغت مساحة المنطقة الصناعية المطورة نحو مليون متر مربع فقط ولكن هناك عشق لدى السلطة للتكبير والتضخيم والتسريع لكى نكون الأكبر والأول والأعظم بغض النظر عن الحقيقة والجدوى.

ولقد أعددتُ هذه الدراسة وما كان لى أن أعدها.. وهى تختص بما هو مطروح على الشعب المصرى باسم «مشروع تنمية محور قناة السويس». ما كان لى أن أكتب لأن المشروع له استشارى تقاضى الملايين، كما أن هناك هيئة قناة السويس منوط بها تنمية المنطقة. صحيح أن التنمية ليست من ضمن اختصاصها أو خبرتها لأنها هيئة ملاحية، إلا أنها منوطة بالعمل وهذا خطأ جسيم وخلط بين التخصصات وضياع فرص. وقد اضطررت للكتابة للأسباب المباشرة التالية:

«التخطيط» لم ينتهِ.. و«السيسى» ليس مقتنعاً بما قُدّم إليه من الاستشارى الفلسطينى

■ تاريخ إنهاء تخطيط تنمية منطقة قناة السويس طبقاً للعقد المبرم بين هيئة قناة السويس والاستشارى الفلسطينى برعاية البنك الدولى كان يوم 18 فبراير 2015، وإلى وقت قريب لم ينته التخطيط، والدليل على ذلك اجتماعات مع السيد رئيس الجمهورية لإعادة عرض المشروع على سيادته كان آخرها يوم 17 سبتمبر 2015، أى إن الرئيس ليس مكتفياً أو مقتنعاً بما قُدم له حتى تاريخه.

■ الاجتماع مع المستثمرين فى لندن بتاريخ 19 مايو 2015 فشل، وانطباع المستثمرين أن التخطيط هلامى ولا يوجد مشروع يمكّنهم من أخذ قرار الاستثمار فى المنطقة، ولم يخرج الاجتماع بأى مستثمر على أرض الواقع حتى الآن.

■ بدأ تنفيذ مشروع تطوير ميناء شرق بورسعيد وهو جزء من مشروع التنمية فى شهر أغسطس، ولكن ليس طبقاً للمخطط الذى كان من المقرر أن يعده المكتب الاستشارى، ولكن -كما هو معلوم لدينا ومؤكد- هو طبقاً للمخطط الذى بدأ «المكتب المصرى الهولندى» فى إعداده بناءً على تكليف من رئيس هيئة ميناء بورسعيد الأسبق فى عام 2007 وانتهى فى عام 2009. فإن كان هذا هو الواقع فلماذا انتظرنا سنة وعطلنا مشروع التطوير والتنمية وهو الأهم!؟؟، خاصة أن أعمال التنمية لا تتضارب مع أعمال توسعة القناة الملاحية.

■ شاهدت السيد رئيس الجمهورية مجتمعاً مع المكتب الاستشارى ومستشاره القانونى الذى تم إنهاء أعماله.. أصبحوا هم من يحددون مقدّرات هذا المشروع!!.. فلماذا استشارى الاستشارى يضع قانون البلاد فى هذه المنطقة؟.. أين خبراء القانون وخبراء الاستثمار فى مصر التابعون للدولة، وأين خبراء مصر المتخصصون فى التجارة العالمية واللوجيستيات، وأين وزارة النقل!؟.. وأين مركز الاستشارات لقطاع النقل البحرى وأين الأكاديمية البحرية!؟.. إن الاجتماع مع هؤلاء بعد نهو أعمالهم هو نوع من تضارب المصالح وخلق مراكز قوى.

■ شاهدت السيد رئيس الجمهورية مع رجال الأعمال أثناء زيارة سيادته للصين يقوم بدور وزير الصناعة والتجارة، ووزير الاستثمار، ومدير مشروع تنمية محور قناة السويس مجتمعين، للتسويق للمشروع، متناسياً ما حدث فى شرم الشيخ.. إن المستثمرين لا يأتون من خلال الاجتماعات السياسية والمؤتمرات والمهرجانات والسِلْفى، بل هناك شركات معروفة متخصصة -وهى نحو 5 شركات فقط على مستوى العالم- تُكلف لجذب المستثمرين نظير أجر مرتبط بالأداء طبقاً للمخطط.. فهل نحن بصدد إعادة اختراع العجلة!!؟، ولا نتعلم من الأخطاء المتلاحقة.

5 أسباب أكدت وجود أخطاء بالمشروع ودفعتنى للكتابة.. وهناك عشق لدى السلطة للتكبير والتضخيم لكى نكون الأكبر والأعظم بغض النظر عن الجدوى.. وإسناد مهمة تنمية المنطقة لهيئة قناة السويس خطأ جسيم.. ومن يقول إننا نبدأ تنمية الإقليم جاهل.. والجاهل يجب ألا يكون له مكان فى تخطيط مصر بعد ثورة يناير.. وحصر التوصيات مع مكتب استشارى غير متخصص ومحام يعمل فى مجال البيع للأجانب ضيق فى الرؤية

فى ظل هذه المحددات أيقنت أن هناك خطأ ما.

لذلك أكتب وأنوّه وأقدم الاقتراحات البنّاءة حتى لا تتكرر الأخطاء ونصحح مسار تنمية منطقة قناة السويس.

السيد رئيس الجمهورية: سيادتكم كمايسترو أوركسترا، ولكى تُخرِج مقطوعة سيمفونية رائعة عليك باختيار النوتة الموسيقية المناسبة والعازفين ذوى المستوى الرفيع، وأيضاً لم نر مايسترو يعزف البيانو أو الكمان أو التشيللو والطبلة معاً!! وعندما أرى فى الإعلام من تقابلون سيادتكم بخصوص هذا المشروع لم أعد أتوقع سيمفونية ترقى لمستوى الحدث. ولذلك أنصح سيادتكم بالاستماع إلى خبراء فى التجارة العالمية، وممن يعلمون أهمية موقع قناة السويس، ويعلمون ما هو النقل البحرى وخدماته، وما هى الصناعات التصديرية، ويعرفون تاريخ مصر واقتصادها على مر العصور، ولهم باع سابق فى المنطقة.

سيادة الرئيس: رجال الخبرة والمعرفة قبل أهل الثقة والولاء، طالما تمتعوا بالغيرة الوطنية، حتى لا يحدث ما حدث فى المجرى الملاحى من عرض بيانات غير متكاملة وغير مدققة على سيادتكم فأمرتم بإنهاء المشروع فى عام واحد فقط ظناً منكم أنكم تساعدون فى جلب فائدة مبكرة!!.. هذه نصيحة وأرجو من سيادتكم أن تراها مجردة من أى هوى أو أية عوامل أخرى، وعلى سيادتكم البحث عمن يفيد المشروع داخل مصر وليس خارجها فقط.. فمصر مليئة بالخبراء، وإن البنك الدولى لا يهمه ولا تعنيه مصلحة مصر.

ألم يكن من الأفضل للسيد رئيس الجمهورية أن يسأل المراكز البحثية والمهنية والأجهزة الاستخباراتية من هم أهم المتخصصين والخبراء لمشروع تنمية منطقة قناة السويس؟.. وأنا متأكد من أن الإجابة ستكون العديد من الخبراء الذين يتمتعون بالغيرة الوطنية والذين هم بعيدون عن المشروع الآن.. لأن هؤلاء هم الأوْلى أن يستمع إليهم السيد الرئيس، أما أن يحصر التوصيات مع مكتب استشارى معمارى غير متخصص فى التجارة العالمية أو اللوجيستيات أو الصناعات، ومحام متخصص فى بيع الوحدات الاقتصادية المصرية للأجانب، فهذا خطأ جسيم وضربة قاصمة للمشروع مع ضيق مجال الرؤية.

الخطط يجب أن يضعها مصريون وليس البنك الدولى الذى يهدف لتعظيم عائد مساهميه

وفى هذه الدراسة، وقبل الخوض فى نوعية الاستثمارات التى تُعظم العائد من الموقع والتجارة العالمية والسفن المارة، يجب بحث خمسة موضوعات مؤثرة بشكل فعلى ومباشر فى نجاح هذا المشروع، وحتى يستوعب القراء عمق وأهمية مشروع تنمية منطقة قناة السويس. والموضوعات هى:

أولاً: الخلفية التاريخية ومدلولاتها.

ثانياً: استثمارات الدولة المنفذة فى المنطقة منذ عام 1978 حتى 2008.

ثالثاً: المرافق الإضافية ومراكز التدريب والأعمال الممكنة المقترحة لجذب المستثمرين.

رابعـاً: القوانين والمشاركة المصرية فى عائد التنمية: رأس المال والأرض والعمالة والتقنيات.

خامساً: المناطق المماثلة فى العالم أو المنافسة لمشروع تنمية قناة السويس.

وسوف أعرض فى هذه الدراسة لموضوعين فقط، هما (أولاً وثانياً)، وباقى الموضوعات (ثالثاً ورابعاً وخامساً) سوف أتركها لدراسات لاحقة.

أولاً: الخلفية التاريخية ومدلولاتها

كانت التجارة هى المحرك الأساسى للسياسة المصرية على مر العصور، فتاريخياً تكوّنت معظم ثروة مصر من دورها الوسيط فى تجارة وصناعات العالم، والذى اختفى كاملاً بعد حفر القناة وأصبحت التجارة تمر دون دخول أرض مصر، أى توقف دخول التجارة العالمية عبر أراضيها، وبقيت لنا فقط إيرادات أنشطة الخدمات البحرية للسفن العابرة، والتى اختفت هى الأخرى بعد تأميم ثم إغلاق القناة فى عام 1956 وأصبحت السفن تمر دون خدمات. والآن نحاول أن نعيدهما معاً بما يسمى مشروع تنمية منطقة قناة السويس أى نحن أمام مشروع إعادة ما كان وتعظيمه.

وحتى اكتشاف الأمريكتين سنه 1492 كانت مصر قلب العالم التجارى ومحور الربط بين الكتلتين التجاريتين الأساسيتين – آسيا وشمال أفريقيا – من جهة – وأوروبا كلها وغرب روسيا – من جهة أخرى. ونفوذ مصر تاريخياً فى شمال أفريقيا وجنوب الصحراء وجزيرة العرب وجنوب أوروبا كان يرجع لاستراتيجية السيطرة على التجارة بين كل أولئك وبدون منافس.

وللأسف فشل الأغبياء فى فهم السبب الرئيسى وراء تحركات مصر السياسية والعسكرية على مر العصور، وفسروها بأسباب واهية لا تمت للحقيقة بصلة؛ فقالوا لتلاميذ مصر فى كتب التاريخ إن حتشبسوت ومن سبقها وتلاها من فراعنة مصر ذهبوا إلى الصومال بحثاً عن البخور للمعابد والأقزام للتسلية، ولم يفطنوا -لسطحيتهم- إلى أن مصر ظلت طوال عمرها تفهم أن عليها تأمين جنوب البحر الأحمر تجارياً وعسكرياً بسيطرتها على ساحل الحبشة وجيبوتى والصومال وأريتريا لتملك ورقة ضغط على إثيوبيا مقابل سيطرة الأحباش وسكان جنوب النيل على مصدر مياه مصر. ولم يفطنوا أيضاً إلى أن وجود الفراعنة فى الشام لم يكن لاستجلاب الخشب، بل هو وجود عسكرى اقتصادى، فى المقام الأول للدفاع عن مصر بعيداً عن حدودها كذكاء استراتيجى واقتصادى للحصول على نصيب من عوائد التجارة بين آسيا وأوروبا المارة بها.

هل خبراء البنك الدولى يعرفون ذلك؟.. نعم ولكن لا مصلحة لهم فى استعادة الازدهار الاقتصادى لمصر، فهدفهم فقط تعظيم العائد لكبار مساهمى البنك وليس مصر.

وعندما اكتشف البرتغاليون طريقاً للهند خارج مصر، حول رأس الرجاء الصالح سنة (1487 – 1488) تعاملت معه مصر عسكرياً وسياسياً على اعتبار أنه خطر يهدد أمنها القومى، ويقلل مصدر ثروتها (ويجب ملاحظة أن الثروة أصل الأمن القومى، ونهبها أو التنازل عنها هو ضرب للأمن القومى، بمعنى أن الفاسدين لا يسرقون مالاً فقط بل يهددون أمننا القومى ويُضعفون الدولة المصرية). فكان التحرك العسكرى حين اتجه السلطان قنصوه الغورى إلى مواجهة النشاط البرتغالى بالقوة فأصدر أمره فى سبتمبر عام 1505 بإعداد حملة حربية بقيادة الأمير حسين الكردى مكونة من خمسين سفينة من نوع «الأغربة»، وتحركت الحملة من القاهرة وسارت فى النيل حتى مدينة بلبيس تقريباً فى شرق الدلتا، ثم إلى البحيرات المرة عبر القناة القديمة إلى السويس، ثم غادرت الحملة واستولت فى طريقها على سواكن بالسودان عام 1506.

وبالتوازى كان التحرك السياسى بأن أرسل السلطان الغورى سفيره، الترجمان تغرى بردى الإسبانى، بنداء إلى أوروبا فى أبريل سنة 1506م، واستغرقت رحلته ثمانية عشر شهراً، زار فيها قبرص التابعة للسلطنة المملوكية آنذاك، لعقد تحالف سياسى اقتصادى مع البندقية (فينيسيا) وحثها على قطع العلاقات السياسية مع البرتغال، واقترح الإيطاليون عليه أن يغرق أوروبا بالتوابل بأسعار رخيصة ليحارب البرتغاليين اقتصادياً ويفشل نجاحهم، وأن يستخدم نفوذ مصر لدى أمراء الهند لقطع صلاتهم بالبرتغاليين، واقترح تجار البندقية شق قناة فى برزخ السويس وهو المسار الحالى لقناة السويس كبديل لمسار رأس الرجاء الصالح، ويجب ملاحظة المصلحة المشتركة لمصر وإيطاليا -منذ زمن بعيد- فى استمرار التجارة العالمية عبر مصر.

وبعد نحو ثلاثمائة عام جاء نابليون 1798 إلى مصر وفى ذهنه إعادة القناة القديمة التى تربط البحرين عن طريق نهر النيل، ولم ينفذ المشروع لأسباب هندسية ولأخطاء مساحية، ولأن محمد على، الحاكم بعد ذلك، لم يكن مقتنعاً بالمشروع المقدم من الجهات الأوروبية المختلفة، لتضارب ذلك مع مشروعات الرى، ولا كان مقتنعاً بالمشروع الذى أعدته الحكومة المصرية بالربط المباشر بين البحرين لتخوفه من التدخل الأجنبى والتداعيات الاقتصادية السلبية على البلاد.

وبعد خمسين عاماً أخرى من هذا التاريخ، وعند وصول الخديو سعيد لحكم مصر سنة 1854، جاءه صديقه، فرديناند ديليسبس، وعرض عليه مشروع قناة البرزخ، وهى وصل مباشر بين البحرين الأبيض والأحمر، والذى كان قد حصل عليه ديليسبس من ليناه باشا، كبير مهندسى محمد على حاكم مصر فى عام 1840 أثناء وجوده فى الإسكندرية.

فى سرعة وسرية أتم الخديو سعيد التعاقد خلال الأسبوع الأول من حكمه، وتسبب ذلك فى إغضاب الكثيرين حتى إن نوبار باشا، حينما علم بما حدث، ثار بشدة، وقال لمدرس اللغة الفرنسية الخاص بالخديو والذى أبلغه بخبر التعاقد «ألا يعلم الخديو أن والده بالرغم من أنه أمر بإجراء تخطيط القناة لوصل البحرين مباشرة إلا أنه لم ينفذها خوفاً من الانعكاسات الاقتصادية والعسكرية على مصر».

ويجب التأكيد على أن كل تصميمات الأجانب للقناة آنذاك كانت توصل الإسكندرية بالسويس من خلال نهر النيل، والتصميم الذى نفذ هو تصميم المصريين، الذى وضعه مهندسو حكومة محمد على فى عام (1837-1840)، بين ما سمى فيما بعد مدينة بورسعيد والسويس مباشرة، بعيداً عن نهر النيل الذى تم الحفاظ على منسوبه لأعمال الرى بناء على أوامر الحاكم محمد على الكبير. (خريطة رقم 1)

استغرقت أعمال حفر قناة السويس عشر سنوات، بدأت فى 24 أبريل 1859، وكانت هذه القناة، بالإضافة إلى تحكيم الخديو إسماعيل ضد ديليسبس لإيقاف السخرة، سبباً رئيسياً فى بَدء صناعة التكريك فى العالم، حتى وصل الأمر أنه فى السنة الأخيرة لحفر القناة بلغ عدد الكراكات العاملة فى حفر القناة 64 كراكة (أكثر من عدد كراكات الفريق مهاب مميش سنة 2015) حيث كانت تلك الكراكات تأتى إلى رصيف بحرى أنشئ خصيصاً فى بورسعيد، ثم يتم حملها بالجمال إلى مناطق العمل على مسار القناة حيث يتم تركيبها وتشغيلها.. (رسم وصور)

وقبل الكراكات حفر المصريون القناة بأيديهم (1859-1863) لما يقارب الـ 12 مليون متر مكعب حفر جاف بالسخرة، واستشهد فى سبيل ذلك 120 ألفاً من أبناء هذا الشعب من الجوع والعطش والأوبئة وسوء المعاملة. وبجانب هذه التضحيات الكبرى هناك تضحية مالية غير معروفة، اطلعت عليها شخصياً أثناء وجودى فى الخارج، من السجلات المحاسبية لشركة قناة السويس الفرنسية التى أُممت فيما بعد، حيث كان العقد ينص على حصول مصر على 15% من دخل القناة نظير حق الامتياز للأرض فقط، ولا تساهم مادياً فى تنفيذ المشروع، إلا أن ما لا يعلمه الكثيرون أن مصر أنفقت ما يقرب من 67٫5% من إجمالى تكلفة القناة بالدين ومن خزينة الدولة المصرية لتنفيذ هذا المشروع، وقد أقر الخديو سعيد بخطئه فى الانجراف وراء ديليسبس، وتوريط الحكومة المصرية لشراء أسهم وسندات ثم تكلفة بعض إنشاءات، أمام الصدر الأعظم التركى وهو على فراش الموت فى ديسمبر 1862 (انظر الجدول).

والأكثر أهمية من وجهة نظرى هو ما فعله الخديو إسماعيل من مجهود لكى تجنى مصر ربحاً من السفن العابرة فى القناة -ما يسمى الآن الخدمات البحرية وخدمات الموانئ- فقد جهز المسرح الأفريقى سياسياً وملاحياً واقتصادياً للاستفادة من قناة السويس ولتأمينها. ففى عام 1864، وأثناء حفر قناة السويس، وبمجرد وصول الخديو إسماعيل للحكم، أنشأت مصر «القومبانية العزيزية للسفن التجارية» للعمل بالبحر الأحمر كسفن تتحرك من السويس إلى جدة، وكانت أول تجربة للاكتتاب الشعبى (ص 707 من كتاب «تاريخ البحرية المصرية») أى طرح أسهم مشاركة للمصريين وليس سندات تمويل، وتنتهى بعد فترة يتلاشى فيها العائد مع فروق العملة وتتضاءل قيمة السند تحت وطأة نسبة التضخم.

وفى عام 1856 قامت مصر بضم ميناءى سواكن بالسودان ومصوع بإريتريا بعد أن كانا تابعين للحاكم التركى بجدة، وفى عام 1866 وأثناء حفر القناة أقدمت مصر على بناء حوض جاف بالسويس لتقديم خدمات إصلاح السفن عند افتتاح القناة، أما فى عام 1868، وأثناء حفر القناة أيضاً، قامت مصر بشراء حوض عائم من فرنسا لإصلاح السفن بمصر استعداداً لافتتاح القناة، وقام الخديو بتقديم رشوة إلى حرم الصدر الأعظم فى عام 1869، أى سنة افتتاح القناة، لإصدار فرمان بتبعية اليمن للإدارة المصرية.

وفى عام 1875 قامت مصر بضم موانئ الساحل الأريترى والصومالى بضم ميناء زيلع (الذى يقع فى الشمال الغربى على ساحل خليج عدن) وميناء بربرة (والذى ما زال المركز التجارى الأكبر للـصومال)، وقامت بإنشاء خط ملاحى يربط بينهم وبين موانئ مصر واليمن، وعملت عليه «الباخرة المنصورة»، ثم قامت مصر بالسيطرة على مدينة هرر بالصومال – فأصبحت كل موانئ جنوب البحر الأحمر تحت إدارة مصرية واحدة، وقامت مصر فى نفس العام بإعادة إنشاء بورت إسماعيل على المحيط الهندى. (خريطة رقم 2)

وجدير بالذكر أنه فى الفترة من عام 1871 وحتى عام 1878 قامت مصر بإنشاء 6 فنارات بكل من رأس غارب والأخون وبورسعيد والبرلس ورشيد وكردفان، وحصلت مصر بعد انتهاء إنشائها 4 قروش و35 فضة عن كل طن من حمولة السفن المارة حول الفنارات المصرية (هذا هو نوع من الخدمات البحرية التى نحاول إعادتها فى صورة حديثة).

أحدث الخديو إسماعيل نقلة كبيرة للبلاد على غير ما يصور المؤرخون، وعندما غضبت إنجلترا من نشاط الخديو إسماعيل والبحرية المصرية بشرق أفريقيا، وسيطرتها على كل موانئ جنوب البحر الأحمر، هيَّجت عليه دول أوروبا، وطالبته بالتوقف، فكان رده عليها بأن مصر موجودة لمنع «تجارة الرقيق».. وهذا يذكرنا بحجة تسوقها أمريكا الآن لتبرير وجودها فى منطقتنا ولدى العالم، فقط تغير الاسم إلى «حقوق الإنسان».. واضطرت إنجلترا أن توقع معه معاهدة 1877 لتعترف لمصر بسيادتها على الساحل الأفريقى حتى رأس كردفان، وبحقها فى تلقى رسوم الجمارك، وكان ثمن الاعتراف تخفيض رسوم مرور السفن والبضاعة البريطانية (العظمى فى ذلك الوقت).

وبالطبع لم يحسب البعض العوائد التى عادت على مصر سياسياً ومالياً واقتصادياً من كل هذه الأعمال الجانبية التى أدخلت مصر عصر بناء السفن البخارية فى حوض السويس الجاف، وإنشاء ورش لإصلاح القيزانات البخارية وتوابعها، وتحويل بورسعيد والسويس لمراكز تموين وخدمات السفن البخارية بكل شىء خاصة بالفحم، فنصف ميناء بورسعيد الغربى كان أصلاً مستودعات فحم ثم أصبح مستودعات مازوت حتى إغلاق القناة 1956.. أى كانت مصر تمارس الخدمات البحرية والموانئ واللوجيستيات، وأقامت الصناعات (وكان لى شرف تحويل بعض هذه المناطق إلى أرصفة حاويات فى آخر الثمانينات).

بعد 155 سنة من الخبرة نجلب أجانب لتخطيط المشروع وتنفيذه وبالتبعية الحصول على عوائده.. و طلبت فى خطاب موجه إلى «السيسى» تكليف «المكتب المصرى – الهولندى» (Pacer /DHV) لخبرته فى هذه المنطقة

ألا تتعجب أن ما نحاول أن نفعله الآن، فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس، ما هو إلا إرجاع عجلة التاريخ لوضع مصر مرة أخرى فى الدول المقدمة للخدمات البحرية والصناعات واللوجيستيات، ومع ذلك، وبعد 155 سنة من الخبرة، نجلب أجانب لتخطيطه ولتنفيذه لنا!! وبالطبع وبالتبعية الحصول على عوائده؟ وافضيحتاه.. وافضيحتاه!!

كانت هناك رؤية متطورة بتعظيم حجم الاستفادة من مرور السفن بقناة السويس، وبضرورة وجود مركز لبناء وإصلاح السفن المارة بالقناة، وإنشاء مجتمع بحرى تمحور حول بورسعيد والسويس، والذى هو الآن أصل كل الأنشطة التى نرغب فى تطويرها وتنميتها.

كيف أمَّن إسماعيل سيطرة مصر على مقدرات قناة السويس.. بتأمين السيطرة على كل ساحل البحر الأحمر.. مؤمناً الساحل باستكمال الوجود المصرى فى أوغندا وتنجانيفا وكينيا وجنوب السودان وأريتريا وإثيوبيا بحرياً وبرياً.. ما هذه العبقرية وما هذا الإخلاص والوطنية، وما هذا الغباء والسطحية من بعض مؤرخينا.. التى لم تر فى هذا الرجل إلا بانى القاهرة الخديوية والذى أنفق على حفل افتتاح القناة بسخاء!!؟.

ولهذا السبب، حينما وجه السيد طونى خليفة سؤالاً لى، بأحد البرامج الرمضانية: من تقول له آسفين يا ريس.. كانت إجابتى مباشرة وبدون تفكير: الخديو إسماعيل، الذى حكم مصر من عام 1863 إلى عام 1879، وكان بهذه العبقرية والوطنية، والذى نُفى 16 عاماً خارج البلاد حتى توفى.

هل يعقل أن -وعلى العكس وبخلاف ما اتبعه قادة مصر على مر التاريخ من الحفاظ على ثروة مصر من التجارة- أقدمت مصر فى زماننا هذا، متطوعة، بالاستغناء عن هذا الدور، وتركته لدبى واليونان، وتفرغ مهندسو التخطيط العمرانى الأذكياء لبناء المصانع فى مدينة 6 أكتوبر بعيداً عن منطقة مصر الاستراتيجية؟ فعلوها ولم يفهموا أهم ميزة منحها الله لمصر.

يمكن أن نخلص بالآتى: -

1

إن تخطيط المجرى الملاحى لقناة السويس بأن يكون قناة مباشرة لأقصر المسافات بين البحرين كان نتاج عمل الدولة المصرية وليس فضلاً لشركة قناة السويس العالمية (ديليسبس).

2

إن مصر أنفقت 67.5% من تكاليف إنشاء القناة وهذا كان مخالفاً للاتفاق، ولم تحصل إلا على 15% لمدة عشرين عاماً فقط (بمعنى أن مصر تم النصب عليها).

3

إن الدولة المصرية دخلت حروباً بدأت سنة 1505 حتى يستمر مرور التجارة العالمية داخل الأراضى المصرية لأسباب اقتصادية مما يثبت أهمية مرور التجارة العالمية بأراضى مصر.

4

إن الدولة المصرية بقيادة الخديو إسماعيل سعت للاستفادة من مرور السفن فى القناة وذلك بالسيطرة تجارياً وعسكرياً على موانئ البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندى وعلى مسار السفن المارة لتقديم الخدمات البحرية وخدمات الموانئ وتأمين الملاحة.

5

إن الخديو إسماعيل أوقف العمل فى حفر قناة السويس لمدة عامين، وذلك حتى ينتهى التحكيم الدولى الذى أقامه ضد ديليسبس لإلغاء بند السخرة فى عقد حق الامتياز والذى وافق عليه الخديو سعيد.

ثانياً: استثمارات الدولة المنفذة فى المنطقة

ننظر إلى واقع المنطقة فنرى أننا لا نبدأ من الصفر فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس، فبعد الافتتاح الثالث للقناة عام 1975 بدأت دراسات مهمة مثل الخطة المتكاملة لتطوير المجرى الملاحى لقناة السويس، طبقاً لتطور حركة التجارة العالمية، وتطور أحجام وحمولات السفن، وزيادة السعة الاستيعابية للقناة، بحفر تفريعات مختلفة على طول المسار بغرض ازدواج الملاحة، من ضمنها التفريعة التى حُفرت مؤخراً، (والمسماة بالقناة الجديدة) وافتتحت فى 6 أغسطس 2015، وأقيمت لها الأفراح والليالى الملاح!!

اليابانيون أعدوا دراسة ازدواج الملاحة فى القناة وأنشأوا كوبرى السلام وهم أول من خطط لمشروع تنمية القناة فى عهد «الكفراوى» ومصر أنفقت 67٫5٪ من تكاليف إنشاء القناة بالمخالفة للاتفاق ولم تحصل إلا على 15٪ فقط لمدة 20 عاماً

وأيضاً فى ذلك الوقت بدأت دراسات عديدة للاستفادة من المنطقة: فاليابانيون الذين أعدوا دراسة التوسعة – أى مشروع ازدواج الملاحة فى القناة – وأنشأوا كوبرى السلام أعلى القناة، أيضاً هم من خططوا أول مشروع لتنمية قناة السويس فى عهد حسب الله الكفراوى – فى منطقة شمال خليج السويس (السخنة). ولكن، للأسف الشديد، اختلف الرئيس المخلوع، حسنى مبارك، مع الوزير، حسب الله الكفراوى، الذى كان قد رفض تخصيص أراضٍ لأبنائه علاء وجمال مبارك، فاستبعده، وأتى بوزير لم يلتفت لمخطط شمال غرب خليج السويس، ولم يلتفت لتخطيط وتعمير قناة السويس- علماً بأن وزارة التعمير نشأت خصيصاً فى السبعينات بغرض تعمير منطقة القناة وسيناء – وترك هذا كله وتفرغ لتنمية الأرصدة البنكية، وتخصيص الأراضى لأبناء الرئيس مبارك، وأيضاً للمحبين من رجال الأعمال والأقارب، وتم دفن المشروع وقتها.

فى نحو 1997 قامت سيدة أعمال بنشر مشروع ميناء فى شرق التفريعة ببورسعيد بجريدة الأهرام، إلا أن السيد اللواء محافظ بورسعيد فى ذلك الوقت تدخل ليكون مشروع ميناء شرق تفريعة بورسعيد مشروع دولة وليس قطاعاً خاصاً، وبالفعل تم تكليف مركز البحوث والدراسات بقطاع النقل البحرى، بقيادة الدكتور عبدالحليم بسيونى، بهذا المشروع والذى شرفت بالاشتراك معهم فى تخطيط المنطقة وتصميم الميناء. وقد سبق ذلك عدة مقالات ومحاضرات للسيد الأستاذ الدكتور البحرى أحمد عبدالمنصف، والذى دعا لإنشاء ميناء شرق بورسعيد ليكون البوابة الرئيسية لتجارة أوروبا، ثم قام المهندس وائل قدور، عضو مجلس إدارة قناة السويس سابقاً، بتقديم ورقة بحثية فى مؤتمر التعاون البحرى فى حوض البحر المتوسط عام 1998، وأكمل عناصر المشروع، وقال فيها صراحة «إن أى قناة ملاحية يجب أن يكون بدايتها ميناء ونهايتها ميناء وخلف كل ميناء ظهير لمنطقة صناعية ولوجيستية وخدمات». ووصل البحث، بطريق غير مباشر، إلى رئيس الجمهورية، الذى انزعج لأنه تذكر فجأة أن هناك مشروع تنمية منطقة قناة السويس بدأه حسب الله الكفراوى، فاستدعى وزيره، كمال الجنزورى، وسأله عما حدث لمشروع تنمية القناة الذى أعده الكفراوى؟ وعرض عليه بحث المهندس وائل قدور – فما كان من الجنزورى إلا أن استدعى وائل قدور والسيد/ صلاح شلاضم عضو مجلس الشعب عن السويس فى ذلك الوقت، وبدأ تنفيذ ميناء السخنة والمنطقة الصناعية بالسخنة، وهكذا كانت بداية مشروع تنمية منطقة قناة السويس، وكان لى شرف التخطيط والتصميم والإشراف على تنفيذ هذين الميناءين، بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات لقطاع النقل البحرى.

تزامن مع هذا إنشاء محطتين لتوليد كهرباء فى منطقتى شمال وجنوب القناة فى السخنة وبلوظة، وكوبرى سكة حديد فى منطقة الفردان لوصل القاهرة بالعريش، وسحارة ترعة السلام أسفل قناة السويس، وكذلك سحارة الدفرسوار لنقل مياه النيل لسيناء من أجل التنمية الزراعية، وتخطيط لنفق جنوب بورسعيد وتخطيط مناطق التنمية الزراعية وأيضاً السياحة. (خريطة رقم 3).

وجاء بعد ذلك اللواء بحرى، شيرين حسن، رئيس هيئة ميناء بورسعيد سابقاً، لاستكمال المشروع عام 2006، وطرح إعادة تخطيط منطقة شرق بورسعيد شاملاً الميناء المحورى، حيث إن ما قد قمت بتخطيطه عام 1998 كان يجب تجديده -لأن أى تخطيط يجب أن يجدد بعد عدة سنوات- و تم عمل مخطط كامل عن طريق مكتب استشارى مصرى هولندى (Pacer/DHV) وتم الانتهاء منه فى 2009، ولم ينفذ فى حينه، وأخيراً تم الإعلان عن بدء حفر القناة الملاحية بطول 9٫5 كيلومتر، وهى جزء من مخطط 2009، ويلاحظ أن اللواء شيرين حسن عندما طرح هذا المخطط بين المكاتب الاستشارية أعطى درجات تفضيلية قدرها 40% لسابقة الخبرة، بينما الفريق مميش، فى مشروع التطوير الحالى، أعطى فقط 10% لسابقة خبرة المكاتب المتقدمة، لتمكين مكتب بدون خبرة سابقة من الحصول على 90% من الدرجات الفنية للتقييم وليحصل على المشروع، وهذا ما حدث بالفعل.. أى إننا إلى الخلف دُر.

كل هذا تم باستثمارات إجمالية حتى عام 2008 بلغت أكثر من 70 مليار جنيه. إذاً من يقول إننا «نبدأ» فى تنمية إقليم قناة السويس، فهو جاهل لا يعلم، والجاهل لا يجب أن يكون له مكان فى تخطيط مصر الجديدة بعد ثورة يناير.

فاتورة تمكن «الإخوان» من الحكم تمثلت فى عودة احتكارات قناة السويس إلى الغرب ولما انكشف مخططهم انسحب «شرف» من المشروع.. وما نحاول فعله اليوم إرجاع لعجلة التاريخ لوضع مصر مرة أخرى فى صدارة الدول المقدمة للخدمات البحرية واللوجيستيات

أعلنت حكومة الإخوان (2012-2013) أنها ستنمى منطقة القناة، حيث كانت هذه ضمن فاتورة تمكنهم من الحكم: أن تعود احتكارات قناة السويس للغرب، كما كانت قبل التأميم. وقد بدأوا المشروع بالفعل، لكن انكشف مخططهم، فقام الدكتور عصام شرف وفريقه الاستشارى بترك المشروع.

ثم جاء الفريق مهاب مميش برغبة فى استكمال مشروع تطوير وتنمية منطقة قناة السويس، لكنه أخذ مشروع الإخوان بدون مراجعة وطرحه.. بل أخذ نفس قائمة المكاتب الاستشارية المؤهلة (والتى بها المكتب الاستشارى الفاقد للخبرة المماثلة) بدون مراجعة، وأرسل إليهم جميعاً، مكتفياً بتقييم فنى قدره 10% للخبرة السابقة فى نفس هذه المشروعات!! ولا نجد الآن كيان خبرة مصرية واحداً فى تخطيط مشروع تنمية منطقة قناة السويس – ربما حتى لا يترك المشروع عند رصد انحرافات مثلما فعل الدكتور عصام شرف.. أى تعلموا الدرس بالعمل بعيداً عن الغيرة الوطنية.

نحن فعلياً أمام مشروع عمره 30 سنة، وأنفقت الدولة من أجله أكثر من 70 مليار جنيه، وله مخططات قائمة وقابلة للتنفيذ منذ أكثر من عشر سنوات، مثل مخطط شرق التفريعة وشمال خليج السويس، ومع ذلك نبدأ من جديد بطرح المشروع فى العام الماضى (كما لو كانت الفكرة جديدة) بمكتب أجنبى بدون خبرة مماثلة.. هذه كبوة وخطأ جسيم يجب تداركه.

والخلاصة: -

1

لم تحصل مصر على العائد المقابل للاستثمارات الضخمة فى هذه المنطقة.

2

عائد كل من ميناءى السخنة وشرق بورسعيد للشركات الأجنبية التى أعطيت لهم عقود أقل ما يوصف بها أنها ليست لصالح مصر والتى لا يعود عليها فائدة تذكر من هذين الميناءين.

وقد سبق عرض كل ما جاء بهذه الدراسة على الجهات المعنية مباشرة. وليكن معلوماً لدى الجميع أنه عند طرح هذا المشروع، وقبل أن يتقدم أى من المكاتب الاستشارية، أرسلت للفريق مهاب مميش اعتراضى على تأهيل «دار الهندسة» لأنها لا تصلح للمشروع لسببين، أولهما أن ذلك يتعارض مع الأمن القومى المصرى وكراسة الشروط كونها مكتباً استشارياً أجنبياً بدون شريك مصرى، وهذا الموضوع أمام القضاء الإدارى منذ يوليو 2014 أى قبل التعاقد، أما السبب الثانى فهو عدم وجود سابقة خبرة للدار فى المجال. أى إن موقفى هذا بدأ منذ الأيام الأولى لطرح المشروع فى شهر مارس 2014، ولم يتغير إلى الآن. ولأن اهتمامى أن يكون المشروع على أعلى مستوى فقد طلبت، بخطاب موجه إلى السيد رئيس الجمهورية، أن يكون المكتب الاستشارى رقم (2) «المكتب المصرى الهولندى (Pacer/DHV)» هو ما يجب تكليفه بالمشروع، لما له من سابقة خبرة كبيرة فى هذه المنطقة وهذه الأعمال، بالإضافة لوجود شريك مصرى طبقاً لشروط المناقصة.

وفى لقاء مع وكيل جهاز المخابرات، بعد إرسال الخطابين، وإبلاغ الفريق مميش انتقادى لهم للموافقة على مكتب أجنبى بدون شريك مصرى، اقترحت ووافقوا على تكوين فريق فنى لمراجعة ما يقوم به المكتب الاستشارى من الخبراء فى هذا المجال ومتطوعين للعمل بدون أجر، على أن يكون بعيداً عن الأضواء وحتى يطمئن قلب المهتمين بالمشروع أن المسار فى الطريق السليم، وبالفعل بدأت تكوين الفريق، وحاولت الاستعانة بالسيد اللواء رئيس الأكاديمية البحرية، حيث أخبرته بالهدف، ووعدنى بتحديد بعض الأسماء فى اللوجيستيات، ولم يفِ بوعده، وفى الوقت نفسه تم تصعيد السيد وكيل جهاز المخابرات ليصبح رئيساً للمخابرات، فتوقف التواصل.

 

 
 
 
 
           
  الرئيسية | مشروع التغير | مراحل المواجهة | مشروعات تنموية | قالوا عن حمزة | صوت وصورة | المجلس الوطني المصري | المكتب الهندسي