الخبير الهندسي ممدوح حمزة يكتب أخطر دراسة عن قناة السويس
عائد قناة السويس يتحكم فيه حجم التجارة العالمي المتغير
مما لا شك فيه أن العمل الهندسى الذى تم بحفر «التوسعة الجديدة» لقناة السويس بطول 35 كم، وبعمق 24 مترًا، بالإضافة إلى تعميق ما يقرب من 37 كم أخرى فى «التفريعات والبحيرات» ليصل عمقها إلى 24 مترًا مثل باقى عمق القناة فى عام واحد، هو إنجاز هندسى بمقياس عالمى وحقيقى على أرض الواقع، ومن يشكك فيه فهو حتمًا لا يعلم!
كما أن وصف هذه التوسعة «بقناة جديدة» هو مبالغة أو مغالطة غيرِ مقبولٍ أن تصدُر عن الحكومة المصرية، والتعريف المناسب هو «توسعة قناة السويس» بغرض تحسين الملاحة والمناورة بزيادة المسار المزدوج لمرور السفن وتوحيد العمق بكامل القناة.
وحقيقةً لنا الفخر فى ما أنجزنا من الحفر الجاف لما يقارب لـ250 مليون متر مكعب، «ولكننا» وللأسف الشديد تنازلنا عن حقنا فى «الفخر بالحفر تحت الماء» وأيضًا تنازلنا عن سابقة الخبرة فى ذلك المجال وأعطيناه للأجانب من أجل إنهائه خلال عام واحد، أى فى عجالة لم تكن لها عائد اقتصادى، بل على العكس، وبتكلفة عالية تفوق أسعار السوق العالمية، وقد صدر عن الأجانب أفلام دعائية لأعمال التكريك فى توسعة قناة السويس ولم يذكر فيها اسم مصر، وجميع من ظهروا فى الفليم من مهندسين وعاملين، إما أوروبيون أو فلبينيون ولا تجد مصريا فى الفيلم.
وإننى أهنئ كل المصريين على ما تم إنجازه من الحفر الجاف، كما أهنئ اللواء كامل الوزير، الذى قاد إدارة الحفر الجاف فى تسعة أشهر، وهو الجندى المجهول الآن، والذى أتمنى أن ينال وسامًا من يد السيد رئيس الجمهورية بأى درجة يراها السيد الرئيس تطبيقًا لمبدأ «لكل مجتهد نصيب» وأيضًا للتحفيز.
وعلى الرغم من محاولات إيصال رأيى لأولى الأمر، ابتداء من أغسطس 2014 فقد تعمدت أن لا أنشر رأيى هذا قبل الاحتفال بالإرادة المصرية وسماع خطبة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم الافتتاح والذى ذكرنا وذكّر العالم بأن هذا الإنجاز كان تزامنًا مع محاربة الإرهاب، مما يعظم من قيمته وفى نفس الوقت قوله إن هذا الإنجاز خطوة من ألف خطوة هو نوع من التواضع الذى يضيف إلى قيمة الإنجاز.
وبصفتى خبيرًا هندسيا فى مشروعات منطقة قناة السويس وسبق لى أن شاركت فى جميع المشروعات المقامة فوقها أو تحتها أو بها منذ عام 1979 ولمدة 25 عامًا وأستاذًا بجامعة قناة السويس، فإن من واجبى الوطنى والمهنى أن أعرض وجهة نظرى المتضمنة عشر حقائق وتساؤلات كما يلى:
1- منذ إنشاء قناة السويس فى شهر نوفمبر من عام 1869 حتى الآن ينحصر دخل قناة السويس فى العائد من الملاحة فقط، ولم نحقق أى عائد من الموقع، اللهم إلا ميناءا شرق بورسعيد والعين السخنة.
عند مدخلى القناة اللذين شرفت بتخطيطهما وتصميمهما، ولكن للأسف العائد منهما لمصر هو الفتات، بينما العائد الحقيقى ذهب للشركات المحتكرة التى تسلمت الميناءين من الحكومة المصرية تسليم مفتاح، بعقود أقل ما يقال عنها إنها ضيعت على مصر حقها.
علمًا بأن مصر قبل إنشاء قناة السويس كانت تحقق عائدا كبيرا متنوعا نتيجة موقعها المتميز من خلال دخول التجارة الدولية إلى أراضينا من السويس مثلًا…، حيث كان يتم إعادة تصديرها من الإسكندرية، بعد تعامل الشعب معها وتحصيل الجمارك، أى أن «الشعب» كان يستفيد استفادة مباشرة بالتربح من خلال التعامل مع البضاعة من النشاط الصناعى، واللوجيستى، والخدمى، والذى كان موجودًا بالفعل.
ويمارس على البضاعة المارة على أرض مصر قبل إنشاء القناة، إضافة إلى أن الحكومة أيضًا كانت تحقق عائدًا من الجمارك.. ولقد توقفت كل تلك الاستفادات المباشرة للشعب مع بدء تشغيل قناة السويس وقتها، وهذا هو ما أعنيه «بالعائد من الموقع».
ومشروع تطوير محور قناة السويس هو محاولة لإعادة عائد مصر السابق من التجارة العالمية العابرة لأراضينا، مستغلين موقعنا المتميز، وهو أحد المشروعات الأولى بالرعاية بالنسبة للاقتصاد القومى.
2- إن قيمة دخل قناة السويس من الملاحة حاصل ضرب رقمين: الأول: هو الحمولة العابرة بالطن، والثانى: هو رسم العبور لكل طن طبقًا لما تحدده الهيئة.
و«الحمولة العابرة» يتحكم فيها حجم التجارة العالمى المتغير ما بين الشرق والغرب، أما «الحد الأقصى للرسوم» لكل طن فيحددها ويشكل سقفًا لها تكلفة النقل بالطرق البديلة لنقل البضاعة ما بين الشرق والغرب.
وفى الماضى كان هناك طريق بديل وحيد وهو طريق «رأس الرجاء الصالح»، أما الآن فهناك أربعة طرق بديلة إضافية وهى طرق ليست الأمثل، ولكنها بالفعل تشكل بدائل جزئية، ولكن جاذبة لبعض البضائع.
ومن بعض الموانى كما هو موضح فى الخرائط رقم (1،2،3) وهى الطرق البديلة للخطوط الملاحية، والتى قد تؤثر جزئيا على تدفق السفن إلى قناة السويس وهى كالأتى:-
البديل الأول – طريق الحرير:
ويوضحه خريطة رقم (1) خط السكة الحديد الذى يربط ما بين أقصى شرق الصين إلى أقصى غرب إسبانيا بطول (13000) كم، والذى يعرف باسم طريق الحرير وتم تنفيذه، وطبقًا لمعلوماتى تم تسيير رحلتين بالفعل.

البديل الثانى – محور إيلات أشدود:
ويوضحه خريطة رقم (2) مخطط مشروع إنشاء محور إيلات أشدود والذى بدأ تنفيذه العام السابق بتمويل صينى 5 مليارات دولار مقابل غاز من البحر المتوسط، وفى حال الانتهاء من تنفيذه سيكون ميناءًمحوريا داخليا خلف إيلات وخط سكة حديد يبلغ طوله نحو 300 كم، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوبا ويتجه حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط.

البديل الثالث – المسار القطبى:
ويوضحه خريطة رقم (3) بمسمى المسار القطبى، حيث تبلغ مسافة المسار الملاحى من كوريا إلى روتردام (15000) كم، بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى (22000) كم، وهو يستخدم الآن عدة أشهر فى السنة.
البديل الرابع – قناة بنما، ومخطط مشروع قناة نيكاراجوا:
فبالإضافة إلى قناة بنما بعد التعميق والتوسعة، هناك مخطط مشروع قناة نيكاراجوا والذى قد ينهى أهمية قناة بنما وبدأ تنفيذه فعليا فى عام 2014 بتمويل من الصين قدره 50 مليار دولار، وهذا يمثل تحديا جزئيا رابعا ويفقد قناة السويس الخطوط الملاحية المتوجهة للشواطئ الشرقية لأمريكا.
إلا أن هناك قناة ملاحية جنوب تايلاند فى حالة الانتهاء منها ستوفر ثلاثة أيام فى زمن الرحلة من الشرق إلى الغرب، مما يصب لصالح قناة السويس.
ومن هذا المدخل يتضح أنه فى ظل عمق محدد لقناة السويس (حاليا 24 مترًا) فإن دخل القناة من الملاحة هو دخل مستقل عن أى مجهود تقوم به الحكومة المصرية، بل هو دخل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحجم التجارة العالمية «من جهة»، وبالطرق البديلة لهذه البضاعة والتى يجب أن تكون تكلفة رسومنا أقل من تكلفتها من جهة أخرى.
وبذلك فإن القول إن «التوسعة الجديدة» ستزيد (ناهيك عن ستضاعف) دخل القناة يكون صحيحًا فى حالة تجاوز حجم التجارة العابرة عن قدرة استيعاب القناة قبل إنشاء التوسعة أى أن يزيد متوسط عدد السفن العابرة عن 78 سفينة يوميا وهى القدرة الاستعابية الآمنة الحالية للقناة.
3- ويشكل الرسم البيانى (أ) تطور دخل القناة منذ عام ٢٠٠٠ وإلى الآن، ويشكل الرسم البيانى (ب) حجم البضاعة العابرة منذ عام ٢٠٠٠ إلى الآن، ويشكل الرسم البيانى (ج) عدد السفن العابرة منذ عام ١٩٧٦ (الافتتاح الثالث لقناة السويس)، والشكل البيانى (د) يوضح تطور انخفاض دخل قناة السويس بالنسبة للناتج القومى منذ عام 2004 إلى 2014.

والرسم البيانى (أ،ب) يبين العلاقة المباشرة بين حجم التجارة العابرة ودخل قناة السويس من الملاحة.

4- وبالنسبة للرسم البيانى (أ) وهو دخل القناة منسوبًا إلى الدولار المقابل لسلة العملات ويعكس ليس فقط حجم التجارة العالمية المارة بالقناة، ولكن أيضًا يعكس القيمة الشرائية لسلة العملات.
مثلًا الزيادة من ٢ مليار سنة ٢٠٠٠ إلى ٥ مليارات سنة ٢٠١٥ ليست زيادة مطلقة، بل إنها أيضًا تعكس التدهور فى القيمة الشرائية للعملة.
إذن القيمة الرقمية للزيادة لا تعكس بالضرورة زيادة فى الدخل الفعلى للبلاد، وهنا أؤكد أن دخل قناة السويس الصافى فى هذا العام لا يشكل أكثر من 1.5٪ من الدخل القومى المصرى، مما يعنى أننا نتحدث عن دخل ضئيل بالنسبة للناتج القومى (برجاء مراجعة الرسم البيانى «د») وهذا الدخل ليس لنا فيه يد. بل إن «العوامل الخارجية» هى التى تتحكم فيه، أى أن دخل قناة السويس من الملاحة مرتبط ارتباطا وثيقا بمرور السفن والشأن العالمى فى الاقتصاد، وليس بالشأن الداخلى لهيئة قناة السويس.
5- من الملاحظ فى الرسم البيانى (ب) فإن حجم التجارة العالمى متذبذب ونرى صعودًا وهبوطًا وهناك جهات بحثية كبرى على مستوى راقٍ تقوم باستخدام نماذج رياضية لاستنباط حجم التجارة العالمية المستقبلية، وغالبًا تكون تقريبية، أى أن حجم التجارة العابرة هى المؤثر الرئيسى فى دخل قناة السويس، بل هى المؤثر الوحيد والمرتبط بالعرض والطلب فى التجارة ما بين الشرق والغرب، وليس مرتبطًا بما تقوم به الدولة المصرية داخل قناة السويس.

والنتيجة المستخلصة من ذلك هى أن مصر ليس لها ناقة أو جمل فى زيادة أو نقصان حجم التجارة العالمية المارة فى قناة السويس، وبالتالى ليس لها تأثير فى محاولة زيادة دخل قناة السويس من الملاحة الآن، اللهم إلا إذا زاد العمق لتستوعب نوعيات أكبر من السفن.
والخريطة رقم (4) تبين بعض التكتلات الاقتصادية الإقليمية التى نشأت وتنشأ بهدف تكامل اقتصادى إقليمى ورفع الجمارك البينية، والتى من شأنها أن تؤثر بالسلب على حجم التجارة بين الشرق والغرب، ويمكن ذكر خمسة تكتلات اقتصادية إقليمية على سبيل المثال، هى كالآتى (SHANGHAI، ASEAN، ECO،NAFTA، APEC)، وهذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية ستزيد التجارة البينية بين أعضائها، مما يقلل من التبادل التجارى بين الشرق والغرب، أى أن «الشرق» سيحاول أن يكتفى ذاتيا وكذلك «الغرب»، وهذا سوف يؤثر بالسلب على حجم البضاعة العابرة فى قناة السويس، وبالتالى بالسلب على دخل قناة السويس من الملاحة.

وفى الأساس فإن أمريكا تحاول تقليص دور الصين فى التجارة العالمية بجذب تجارة أوروبا عبر الأطلنطى وتجارة آسيا عبر الباسيفى، وكلاهما يقل من دخل قناة السويس، بمعنى أن الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين تضر بمصر.
6- وبتحليل الرسم البيانى (ج) الذى يوضح عدد السفن المارة سنويا فى قناة السويس من عام ١٩٧٦ إلى الآن: نجد أنه فى عام ١٩٨٢ كان عدد السفن المارة 22545 سفينة بمتوسط ٦٣ سفينة فى اليوم الواحد، بينما الحد الأقصى لعدد السفن التى مرت فى القناة منذ إنشائها كان ٨٨ سفينة فى اليوم، أى بمعدل 10 سفن زيادة عن حد استيعاب القناة وهو 78 سفينة، وحدث ذلك فى عام 2004 نتيجة توقف القناة ثلاثة أيام عن الملاحة بسبب حادثة.

أما متوسط الـ12 شهرًا السابقة فإن عدد السفن المارة نحو ١٧ ألفا و٥٠٠ أى تقل خمسة آلاف سفينة عن عام ١٩٨٢ والمتوسط اليومى خلال السنة السابقة كان ٤٩ سفينة فى اليوم، وهذا المعدل يقل عن الحد الأقصى الممكن لاستيعاب القناة بمقدار نحو 29 سفينة فى اليوم. وهذا يؤكد أن قناة السويس قبل إنشاء «التوسعة الجديدة» من الممكن أن تستوعب نحو ٣٠ سفينة زيادة فى اليوم عن العبور الحالى، أى أكثر من ٥٠٪ زيادة عن عدد السفن المارة الآن فى حالة زيادة التجارة العالمية وزيادة الطلب على المرور فى القناة.
والشكل البيانى (د) يوضح تطور انخفاض دخل قناة السويس بالنسبة للناتج القومى منذ عام 2004 إلى 2014.
7- وبدراسة نشاط إدارة التكريك بقناة السويس نجد أن الهيئة كركت بمعداتها نحو 300 مليون متر مكعب رمل مشبع.. أى أن كراكات الهيئة وعددها 13 كراكة، كركت بالفعل فى الماضى كمية من الرمال المشبعة أكثر من كميات كراكات الأجانب فى التوسعة الجديدة، وفى ظروف تشغيل أصعب، لأن التوسيع والتعميق تم فى أثناء تشغيل الملاحة فى القناة.
وهنا نسأل: إذا كان دخل قناة السويس مرتبطًا بحجم التجارة العالمية، وإذا كانت القناة تستطيع أن تستوعب سفنًا أكثر مما تستوعبها الآن فى حالة زيادة التجارة العالمية، كما حدث فى السابق، فما الحاجة للاستعجال وحفرها فى سنة واحدة؟
ولماذا لم تقم كراكات الهيئة بالحفر بنفسها وتوفر ٢،1 مليار دولار ويكون الإنجاز منسوبًا لنا والفخر وتراكم الخبرات أيضًا لنا؟
فحتى لو استمرت أعمال التكريك ثلاث سنوات فإن هذا لم يكن ليؤثر على عائد الملاحة من القناة مطلقًا.
لنا أن نتخيل لو أننا كنا قد وضعنا هذا المبلغ الكبير 2.1 مليار دولار لبدء مشروع تطوير محور قناة السويس منذ سنة ماضية، خصوصًا أن تخطيط ورسومات تطوير ميناء شرق بورسعيد، وهو نقطة البداية لمشروع تطوير المنطقة موجود ومعتمد منذ عام 2010، ويبدؤون فى تنفيذه الآن متأخرين سنة عن الممكن.
8- صرح السيد الفريق مهاب مميش فى العديد من المرات صوتًا وصورةً بأن متوسط مرور السفن اليومى سيصل إلى 98 سفينة فى اليوم، مما يزيد دخل قناة السويس ليصل إلى ١٣ مليار دولار فى عام 2023. وفى رؤية حديثة قال إن الدخل سيزيد 300%، أى سيصل إلى ما يزيد على 15 مليار دولار أيضًا سنة ٢٠٢٣، أى بعد ٨ سنوات، أى بزيادة ٨ مليارات دولار على الأقل، أى بزيادة مليار دولار سنويا.
ولكى نتفهم هذا علينا دراسة الماضى من الرسم البيانى (أ)، وما حدث خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2008 والتى تمثل أعلى معدل زيادة فى دخل القناة طبقًا للبيانات المتاحة من موقع هيئة قناة السويس، فنجد أن الدخل خلال تلك الفترة زاد بمعدل 177%. حدث ذلك فى ظل عدم إنشاء توسعات جديدة، ولم يحدث ذلك بشكل مفاجئ، ولكن على مدى ثمانى سنوات بالتدريج.
